تخيل تراجعك عن فكرة شراء هاتف لأنه لن يصمد إن وقع منك من ارتفاع مائة متر! أو أنك أرجعت حاسبا شخصيا بعد أن علمت أن أداءه يتدهور إن زادت درجة حرارة الجو عن ثمانين درجة مئوية أو قلت عن ثلاثين تحت الصفر! حتى وإن صحت المعلومات إلا أنها لن تؤثر في قرارك لإنها تخص ظروفا استثنائية جدا قد لا تتعرض لها طوال حياتك، وكلي يقين بأنك لن تندم على اختيارك لهاتفك إن وقع وتحطم بعد طيران مائة متر في الهواء!
كل من نعرف في هذه الحياة له مقدار من المرونة يحميه من التغييرات الطفيفة، ولكن هناك ظروف نادرة تدفع بالشيء لحد التغير الكامل إن تعرض لها! كالماء يتحمل ارتفاع الحرارة ويثور حتى يصبح فجأة بخارا في الهواء كطريقة منه لاستيعاب كم الحرارة الهائل التي تعرض لها.
فهل ستغير نظرتك لماء الشرب إن علمت احتمالية هروبه من بين يديك في الظروف الحارقة؟
تعرف شخصا لسنوات طوال وعند أول موقف «حارق وضاغط» يمر فيه تنسى كل ما ذكرناه وتتغاضى عن كل الاختلافات الشخصية الطبيعية بين البشر وتضع «رجلا فوق رجل» ثم تطلق حكمك الجوهري «فلان ظهر على حقيقته» وكأنك كنت تنتظر هذه السنوات لتتصيد له خطأ تمارس خلاله فوقيتك وسطحية إنسانيتك! هل خذلان الشخص لنا في ظرف استثنائي وسيلة لتقييمه؟ وهل عليه اجتياز الاختبار ليحظى بشرف رضانا عنه؟ بالطبع هنالك من يتعرض لخيانة وغدر من المقربين ولكن تبقى مسميات هذه الأمور معتمدة على النوايا قبلها أو الندم بعدها! فهناك من يغدر بنا أو يسيء لنا بقصد لأغراض التشفي والانتقام وغيرها مما نكره ونمقت.
ولكن ماذا عن تلك التصرفات التي بدرت ممن نحب واعتذروا لنا عنها؟ تصرفات بعيدة كل البعد عما عرفناه عنهم؟ لماذا نقحم الظروف الاستثنائية في قضية التقييم؟ لكل شخص ظروف تدفعه لفعل أمور مخالفة لما اعتدنا عليه منه فلماذا لا نتعاون ونقوم بالتكيف معها بدلا من جعلها محورا للعلاقة؟ على سبيل المثال تعرف أن صديقك المفضل سيهرب إن وضعتكم الظروف في مشاجرة مع أحدهم فلا تعد تعريف الصداقة بناء على هذا الفعل بل تعامل معه كشيء عليك التكيف معه إن قبلت بمحاسن الشخص الأخرى!
أنت كغيرك لا تعرف متى ستغيرك الظروف فجأة من الحالة السائلة إلى بخار! هل تصدق بان الشخص العادي المسالم تحت ظروف معينة قد يسرق؟ بل من الممكن دفعه لقتل أحدهم تحت ظروف بيئية ونفسية معينة؟ صدق أو لا تصدق فهذه ليست معلومة بل حقيقة في علم النفس! من يمر بظرف استثنائي بحاجة لدعمك وتفهمك ليرى كم تعني لك كل الأوقات الجميلة السابقة، حاول إصلاح الوضع فلا يعقل أن نصلح هواتفنا المعطلة ونرمي علاقات كاملة لمجرد خلل يمكن إصلاحه!
@DrNawras