يهل شهر رمضان الكريم بنفحاته المباركة على الأمة الإسلامية، ففي هذا الشهر أنزل القرآن هداية للناس وبينات من الهدى والفرقان وفي هذا الشهر تتفتح أبواب الرحمة والمغفرة وتكون أبواب التوبة مفتوحة على مصراعيها لذا كانت التوبة واجبة في هذا الشهر الكريم على كل مسلم.. والتوبة التي نعنيها في هذا المقام هي التوبة بمعناها الشرعي وهي الابتعاد عما نهى الله عنه وإتيان ما يحبه والابتعاد عما يغضبه جملة وتفصيلا.. وما دعاني الى تناول التوبة الشرعية وهي علاقة العبد بربه هو حلول هذا الشهر الكريم على مجتمعنا الاسلامي بأسره... فانفتاح ابواب الرحمة في استقبال التوبة الشرعية هذا ذكرني بضرورة تذكير الناس بوجود التوبة القانونية كذلـــك فالأخيــرة بمعناها القانوني ان الجاني بعد أن تقــــع منه الجريمـــة، يقوم بإصـــلاح الضرر المترتب على فعله، كأن يعيد السارق الأشياء الى مالكها، أو يقوم الجاني بإصلاح الضـــرر المترتـــب على وضـــع النـــار في ملـــك غيــره.
ولا تعتبر هذه الحالات من قبيل عدول الجاني عن فعله لأن العدول لا يكون بعد تمام الجريمة وإنما يعد التحول عن الجريمة بعد تمامها بمثابة تعبير عن توبة الجاني، ولذا تسمى بالتوبة القانونية والمشرع لا يرتب كقاعدة عامة أي أثر على توبة الجاني بعد تمام الجريمة بل يظل مستحقا للعقوبة المقررة في القانون الوضعي غير أن هذا لا يمنع القاضي من النزول بالعقوبة الى حدها الأدنى باعتبار أن ندم الجاني وتوبته يدلان على قلة خطورته.
ومع ذلك فقد نص المشرع على معاملة الجاني معاملة مخففة عند التوبة القانونية وذلك إذا كان ثمة ما يوجب تشجيعه على التوبة وإصلاح آثار الجريمة ومن الأمثلة على ذلك ما نص عليه القانون الوضعي (الجزائي) على إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة ولو بعد تمامها وهذا يدعونا الى ان نشير الى نقطة اخرى وهي الاختلاف البين بين العدول الاختياري والتوبة القانونية، من حيث الآثار التي يرتبها المشرع مما يجعل للتمييز بينهما اهمية قصوى والواقع أن الأساس في التمييز بينهما يرتكز حول ما إذا كانت أفعال الجريمة قد تمت أو لم تتم، فعدول الجاني عن الجريمة لابد له من توافر عنصرين... الأول: هو أن يكون عدوله قبل ارتكاب الجريمة، اما العنصر الثاني فيتعلق بإرادة العدول اي ان يكون العدول صادرا عن الفاعل بمحض إرادته، أما التوبة القانونية فهي ندم الجاني بعد أن يرتكب جريمته تامة فيقوم بمحاولة اصلاح ما افسده نتيجة جرمه... وفي النهاية اكرر ان ابواب الخالق في هذا الشهر الكريم مفتوحة على مصراعيها لكل تائب حاول أو راودته الفكرة في أن يرتكب جرما ما لعله سبحانه وتعالى أن يغفر ما صدر منا في هذا الشهر الكريم.
وكل عام وأنتم بخير.. وتقبل الله طاعتكم