أبدأ مقالتي هذه بعبارة شهيرة «قف للمعلم ووفه التبجيلا.. كاد المعلم ان يكون رسولا» بهذه العبارة أشير إلى مقام المعلم وقدسيته إلا أننا في زمننا هذا تناسينا تلك المقولة وأصبح المعلم مثار استهجان واستهزاء من التلاميذ لا لشيء سوى غياب التربية في المنزل وغياب الوالدين عن تعليم أبنائهم المعاملة الطيبة، فكل منا كان طالبا في مدرسته أو كليته وكان لا يستطيع أن يناقش معلمه في أي موضوع يقوله بل كان الحوار بناء ومهذبا بيننا وبين أساتذتنا لا لشيء سوى اكتساب الخبرة والدراسة والحكمة منهم، أما الآن فإننا نشاهد تقليد التلميذ لأستاذه وتهجمه عليه بل وصل الأمر إلى التعدي عليه ضربا مبرحا وإحداث ضرر وأذى بليغ به ـ والسؤال الذي يطرح نفسه اين دور الأسرة في معاملة التلميذ لأستاذه؟ أين دور التربية في زرع الأخلاق في نفوس أولادنا؟ الإجابة.. انتفاء واختفاء ذلك وذلك لانشغال الوالدين عن أولادهم حتى انه لا يشاهد الأب نجله الا وهو نائم فانقطع الاتصال والاندماج بينهما وهو ما أوصل التلميذ إلى الحقد والغل وكان تفجير تلك الطاقات في أستاذه بدلا من احترامه وتقديسه. وأشير إلى نقطة مهمة وما نشاهده الآن على ساحة التعليم سواء في مدارسنا او معاهدنا او كلياتنا ان المدرس إذا حاول تأديب الطالب تأديبا سليما فإننا نجد الآباء والأمهات يذهبون إلى المخفر ويحررون محاضر للأساتذة لتعنتهم في معاملة أولادهم وذلك قبل معرفة سبب قيام الأستاذ بتأديب طالبه الأمر الذي افقد الأستاذ احترامه وجعله يخشى حتى من معاملة الطالب وتأديبه كل ذلك لابد ان نراجع أنفسنا فيه قبل ان تستفحل الظاهرة وتكثر، وما دعاني لسرد ذلك ما قرأته في جريدة الوطن في عددها بتاريخ 15/8/2010، أن احد أعضاء هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية تم الاعتداء عليه بالضرب من قبل أحد الطلبة وذلك بسبب اعتراض الطالب على درجته التي حصل عليها في المقرر الدراسي، وكان الطالب قد فوجئ بالدرجة التي حصل عليها ولكن قبل ان يتروى ويسأل عن سبب تلك الدرجة أسرع فور مشاهدته للدكتور بالتهجم عليه وأشبعه ضربا داخل الكلية وتم نقل الدكتور إلى المستشفى للعلاج.. تلك هي الواقعة التي قرأتها.. وتساءلت، صحيح قد تكون الدرجة التي حصل عليها هذا الطالب مجحفة إلا ان هناك طرقا كان على الطالب ان يلتجئ إليها وهي التظلم من تلك الدرجة.. لا التهجم على أستاذه والتعدي عليه.. كما تساءلت هل تعديه بالضرب على أستاذه كان هو الحل لمشكلته؟ الإجابة بالنفي بل زادت الأمر تعقيدا فضلا عن البلطجة والعربدة داخل الحرم الجامعي الذي يجب فيه ان يكون كل دارس له الاحترام الواجب..كل تلك الأسئلة دارت بذهني الا انني انتهيت إلى ضرورة العقاب على مثل هذا الفعل الذي أعتبره دخيلا على مجتمعنا وطلابنا ولا يقبله هذا المجتمع المعروف بأعرافه وتقاليده، فالواقعة بمنظارها الأخلاقي قبل القانوني تشير إلى همجية بالحرم الجامعي فضلا عن بلطجة لابد من وأدها حتى يكون هذا الطالب عبرة لمن تسول له نفسه إتيان هذا الفعل مستقبلا فضلا عن ضرورة قيام الكلية التي ينتمي لها الطالب بتشكيل مجلس لتأديبه وذلك بعد التحقيق معه من قبل لجنة من داخل الكلية لمعرفة تفاصيل اعتدائه على أستاذه ثم توقيع العقاب الرادع عليه ومن الأصوب من وجهة نظري ان يتم فصل هذا الطالب مؤقتا من الكلية لتخطيه السنة الدراسية مثار اتهامه بل فصله وحرمانه مؤقتا من تلك الجامعة لان الجامعة للتعليم لا للبلطجة وفرض الرأي بالقوة.. فالجامعة مكان للأخلاق قبل التعليم فإذا فقدت الأخلاق أصبح لا وجود للتعليم، هذا عن المنظار الأخلاقي والإداري الواجب الاتباع من الجامعة التي ينتمي إليها الطالب أما عن المنظار القانوني فإن الأستاذ الجامعي موظف عام وهذا التعدي الحاصل عليه جاء أثناء وبسبب تأديته لوظيفته وبسببها، الأمر الذي افرد له المشرع الجزائي نص المادة 135 من قانون الجزاء وافرد لها عقابا هو الحبس مدة لا تجاوز سنة، وفي ختام مقالتي لابد ان أحث الأسرة على ضرورة الحوار مع أولادها وغرس احترام الغير في نفوسهم لاسيما اذا كان هذا الغير هو أستاذه الذي يعلمه الحكمة والطريق المستقيم فضلا عن خبراته العلمية والعملية ولنقف جميعا بكل حزم ضد من يحاول الإساءة والتطاول على سلك التدريس سواء معلموه او أساتذته بالجامعات لان اهتزاز ثقة المعلم بنفسه سيؤدي إلى عواقب وخيمة تترك أثرها على مجتمع لا ينطلي عليه سوء الأخلاق.