من الغريب أن يسارع بعض النواب لرفع أصواتهم والمناداة استنكارا ضد قرار تنظيم التبرعات في شهر رمضان رغم أن الجمعيات الخيرية نفسها رحبت بهذا الاجراء.
ويهدف قرار التنظيم للتبرعات إلى أن يبقى عمل الخير بعيدا عن الاستغلال وسوء الاستعمال ويضمن أن توجه التبرعات إلى مسارها الطبيعي دون شوائب، ولا يفهم فعلا كل الدوافع وراء تلك الحماسة للإبقاء على فوضى جمع التبرعات، فهل يريد هؤلاء النواب مثلا أن تعم الفوضى عملية جمع التبرعات؟ أعتقد أن أحدا منهم لا يرغب بهذا.
ولكن لماذا يخالفون تنظيم التبرعات؟ فليس جديدا على الشعب الكويتي اندفاعه إلى التبرع خصوصا في الشهر الكريم فهي عادة متأصلة في تقاليده وممارساته غير أن الجديد الذي يجب الا يستمر هو تسييس أي قضية تتعلق بالعمل الخيري أو التبرعات.
ولعل سردي لما سلف ما هو إلا وقائع حدثت في خلال شهر رمضان المبارك وذلك من قيام بعض المبرآت الخيرية والجمعيات الدينية بجمع تبرعات مخالفة للقانون وهو ما تم إثباته من خلال فرق التفتيش والمراقبة على العمل الخيري التابع لوزارة الشؤون ومنها ضبط الكشف عن 14 وافدا قدموا للبلاد بكروت زيارة وقاموا بجمع التبرعات دون حصولهم على اذن أو تصريح من الجهة المختصة فضلا عن أنهم حرفوا العمل الخيري عن مساره الصحيح إلى متاهات الفساد وخداع المحسنين والمتصدقين والتمويه، ولعل المنظار القانوني لهذه الواقعة يفرض نفسه، فالقانون رقم 24 لسنة 1962 في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، في مادته رقم (1) ينص على أنه يقصد بجمعيات النفع العام والأندية ـ الجمعيات والأندية المنظمة ـ المستمرة لمدة معينة أو غير معينة وتتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتبارية بغرض آخر غير الحصول على ربح مادي وتستهدف القيام بنشاط اجتماعي أو ثقافي أو ديني أو رياضي، وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تسجيلها وتعاونها في تحقيق أهدافها في خدمة المجتمع (مادة 2) من القانون، وجاءت المادة 18 من القانون تشير إلى أن أموال الجمعية أو النادي بما فيها الاشتراكات والممتلكات الثابتة والمنقولة والهبات والتبرعات والإعانات وغيرها تعتبر ملكا للنادي أو الجمعية وليس لأعضائها الحق فيها،، كما جاءت المادة 19 من القانون، تشير الى أنه على الجمعية أو النادي أن يودعا أموالهما النقدية باسمه لدى احدى المصارف في الكويت وافرد المشرع جزءا لمخالفة أحكام هذا القانون في مادته 31، 32 بالغرامة التي لا تجاوز خمسين دينارا فضلا عن عدم الإخلال بأي عقوبة اشد ينص عليها قانون الجزاء، وهذا ما يتبع على المبرات الخيرية أيضا عملا بالمادتين 32 مكررا، 32 مكررا (1) من ذات القانون ولا شك، وإن كان قانون 24 لسنة 1962 سالف الذكر ينطبق على ما سلف سرده فإن هذا لا يتعارض مع جواز توقيع عقوبات أخرى نص عليها قانون الجزاء، فالبين أن بعض المبرات والجمعيات الخيرية جمعت تبرعات بطريقة التدليس والحيلة على أساس إنفاقها في أعمال البر والخير إلا أنها تنكبت عن ذلك وكان هدفها تحقيق مآرب شخصية بعيدة عن الصالح العام وتوصلت بهذه الطريقة إلى الاستيلاء على مبالغ من المحسنين الذين دفعوا تلك المبالغ كهبات وتبرعات تحت مظلة العمل الخيري الأمر المعاقب عليه بالمادة 231، 232 من قانون الجزاء والتي افرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات (تهمة النصب)، فإنني في نهاية مقالي أقول انه يجب أن نشد جميعا على يد وزارتي الشؤون والأوقاف فالقرار الذي يتخذ قبل رمضان يخضر التبرعات تحت أي مسمى ثم تتراجع عنه الحكومة قبل أن يسقط في امتحان التنفيذ يجب الوقوف له بالمرصاد ويجب ألا يخضع متخذوه لابتزاز التهديد حتى لا يترك الحبل على غاربة لمن جلبوا على الدولة الانتقاد والاستياء حيث بدأت تتكشف حقائق تسرب التبرعات وإخضاعها للسياسة وذلك لأن وظيفة دينار الخير إطعام محتاج لا استغلاله للسياسة والمآرب والأغراض الشخصية البعيدة عن الصالح العام.