مقالي الذي أتناول سرده الآن ليس إبداعا أو خيالا لكاتب وإنما قصة حدثت بمجتمعنا المعروف بأعرافه وتقاليده، لكن المتتبع لهذا المقال سيسأل في نهايته سؤالا، هل أجامل صديقي في ارتكاب جريمة أم أجامله في شيء يعود عليه بالفائدة؟ لا شك أن الإجابة هي أن المجاملة تكون في شيء يعود بالنفع عليه، تلك هي المقالة في مجملها فأحداثها تبدأ عندما تلقى شاب لا يتعدى 21 عاما اتصالا هاتفيا على نقاله من فتاة تخبره بأنها تريد مقابلته لأمر مهم وأبلغته أنها معجبة به وتريد أن تضرب معه موعدا غراميا، فوافق الشاب على الفور دون أن يدري ما الخافي له، وفي نهاية الحديث التلفوني حددت له الفتاة عبر النقال موعدا للقاء العاطفي بينهما وكان المكان هو منزل مهجور بمنطقة الفروانية حيث انه يقع بالقرب من منزل عائلتها حيث انها من عائلة محافظة ولا تستطيع الغياب عن منزل عائلتها أكثر من نصف ساعة لمقابلته، الأمر الذي تلهف معه الشاب على تلك المقابلة وظل يعد الساعات والدقائق حتى يظفر بالمقابلة الغرامية، وعندما حان موعد اللقاء توجه الشاب الى حيث العنوان الذي قدمته له الفتاة على الهاتف وما ان وصل الى المكان حتى وجده منزلا مهجورا لا حياة فيه فاقترب من المنزل ودخل فيه بعد إرشاد الفتاة لهذا المنزل إلا انه فور دخوله فوجئ بشابين مفتولي العضلات قاما بالإمساك به ثم تقييده وتكبيله وبدأ كل منهما يكيل له سيلا من اللكمات والشتائم دون معرفة أسباب تلك التحية في هذا اللقاء وبعد هذا الاستقبال الحافل من اللكمات والشتائم قام هذان الشابان بنزع ملابسه عنوة وشرعا في تصويره عاريا بكاميرات هاتفهما النقال بأوضاع مشينة، وهدداه بأنه في حالة ابلاغه عما حدث له سيقومان بنشر مقطع «البلوتوث»، اهتم رجال مباحث الفروانية بهذا البلاغ وقاموا بأخذ بيانات هاتف الفتاة المزعومة من الشاب المخدوع الذي اتصلت به وحددت له الموعد الغرامي في المنزل المهجور، إلا أن رجال المباحث فوجئو بأن رقم الهاتف يعود لمواطن، وبعد ضبطه اعترف بأنه يجيد تقليد أصوات الفتيات ويتقنها وأن صديقين له هما من طلبا منه الاتصال بالشاب واستدراجه وأرشد على رقمي هاتفي الصديقين اللذين طلبا منه الخدمة، وباستدعاء هذين الشخصين الى المخفر اعترفا بأنهما دبرا هذه الخدعة لاستدراج الشاب بهدف الانتقام منه لأن هذا الشاب ارتبط عاطفيا مع شقيقة أحدهما، وعليه تم وضع تلك الخطة بمساعدة صديقهما الذي يتقن تقليد صوت النساء وقاما بتصويره عاريا كنوع من الإهانة والتهديد حتى لا يبلغ عما حدث له، تلك هي الواقعة التي سردتها جريدة «الأنباء» بعددها الصادر يوم 26/10/2010 وشعرت بعد مطالعتها بمدى ما يثور في ذهن الشباب من أفكار إجرامية، فكان من الأحرى معالجة تلك الواقعة بالحوار والتفاهم بدلا من الإيقاع في شرك الجريمة فضلا عما شعرت به من العطب الفكري لدى شباب مجتمعنا وسطحية التفكير الذي ينتابهم وكأن معالجة الأمور لن يأتي إلا بالجريمة، ولعل المنظار القانوني لهذه الواقعة يلقي بظلاله عليها لأنها تكتنفها عدة نصوص عقابية سردها قانون الجزاء، فمن ناحية الشاب الذي جامل صديق عمره ليفتك به هو فاعل أصلي للجرائم التي ساهم فيها مع شركائه فعلا بالمادتين 47 أولا و50 من قانون الجزاء، فالجريمة الأساسية التي أتاها هي خطف الشاب الذي أعطاه الموعد باعتبار انه أنثى وكان هذا الخطف بالحيلة وهي التي جرمها المشرع الجزائي بالمادة 178 منه والتي افرد لها عقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات فضلا عن أنه فاعل أصلي مع شركائه في جريمة هتك عرض الشاب بالحيلة والمؤثمة بالمادة 191 من قانون الجزاء والتي افرد لها المشرع عقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، فضلا عن أنه فاعل أصلي مع شركائه في إساءة استعمال أجهزة الاتصال (النقال) وذلك بتصوير الشاب عاريا على نحو يخل بحيائه وعرضه وشرفه واعتباره، وهو الامر المؤثم بالقانون 9 لسنة 2001 بشأن إساءة استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية في مادة 1 بفقرته الثانية، وهي ما أفرد له المشرع الجزائي عقوبة الحبس التي لا تجاوز سنتين فضلا عن مصادرة أجهزة النقال المستخدمة في ارتكاب الجريمة، ولما كانت تلك الجرائم قد انتظمها سلوك إجرامي واحد وجب توقيع أشد تلك العقوبات على الشاب وشركائه وهي جريمة هتك العرض والتي أفرد لها المشرع عقوبة السجن مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة. وفي نهاية مقالي هذا أود الإشارة إلى أن شبابنا هو طاقات المجتمع والقوى المنتجة له فيجب أن نوجه تلك الطاقات لأشياء تفيد مجتمعنا وأن تكون تلك الطاقات قوى موجهة للتعمير والبناء لا للهدم والعطب الفكري والتفكير السطحي الذي لا طائل من ورائه إلا الدمار والوقوع في شرك الجريمة.
والله ولي التوفيق