تنص المادة (44) من الدستور على الآتي: «للافراد حق الاجتماع دون الحاجة لاذن او اخطار سابق ولا يجوز لاحد من قوات الامن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب، والتجمعات مباحة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سليمة ولا تتنافى مع الآداب»، وبعد استقرائنا لما ورد بالمذكرة التفسيرية في شرحها للمادة (44) التي يعتبرها اغلب الفقهاء الدستوريين انها ملزمة فانه يبدو جليا ان المادة الدستورية تتحدث عن صور مختلفة من حق الاجتماع، الاولى هي الاجتماعات الخاصة وهنا لا يجوز للمشرع تنظيمها بأي شكل من الاشكال ولا يجوز لقوات الامن اقحام نفسها بها، والصورة الثانية هي صورة اجتماعات عامة واما الصورة الثالثة فهي مواكب سواء كانت على شكل مظاهرات او مواكب سيارة واما الصورة الاخيرة فهي تجمعات عامة، والصور الثلاث الاخيرة تكون مباحة وفقا للشروط والاوضاع التي بينها القانون، وباستقرار حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 1/2005 حول قانون 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات نجد جليا ان المحكمة الدستورية العليا قد انتهت في حكمها الى عدم دستورية المادتين (1، 4) من المرسوم المذكور وبعدم دستورية المواد 2، 3، 4، 5، 6، 8، 9، 10، 11، 16، 17، 18، 19، 20 من المرسوم بالقانون المشار اليه وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقا بالاجتماع العام دون ان يستطيل ذلك الإبطال لما يتعلق منها بالمواكب والمظاهرات والتجمعات.
وبالتالي نستخلص مما سبق ان المحكمة الدستورية العليا قد الغت كل ما يتعلق بالاجتماعات العامة وابقت كل ما يتعلق بقانون التجمعات وان الاداء بأن التجمعات العامة مباحة وان المحكمة الدستورية العليا قد الغته وان تنظيم حق الاجتماعات مستمد حاليا بشكل مباشر من المادة (44) هو قول غير سديد وقد جانبه الصواب وليبق الفصل فيما يعد اجتماعا عاما او تجمعا عاما هو مكان الاجتماع الذي اعتبرته المحكمة الفاصل بينهما كما يتضح ذلك من خلال المذكرة التفسيرية للدستور التي قررت ان «الاجتماعات العامة سواء اكانت في صورتها المعتادة في مكان معين لذلك.. او تجمعات يتلاقى فيها الناس في ميدان عام مثلا...»، وعلى هذا فان الفرق الاساسي بين الاجتماع العام والتجمع هو المكان فالاجتماعات العامة مكانها معين ومحدد ويبدو له خصوصية اكثر من الميدان العام الذي يصاحب تعريف التجمعات، وحول ما اذا كان تجمع ندوة الحربش يعد اجتماعا عاما مباحا او تجمعا عاما يسري عليه احكام قانون رقم 65 لسنة 1979، فإن الاجتماع العام المباح قانونا ضمن الحقوق التي كفلها الدستور هو ذلك الذي يقع ضمن الاماكن الخاصة غير العامة بمعنى ان يكون داخل احدى المنازل او الشاليهات او الصالات والتي نص القانون على حرمتها، اما ما يعنيه المشرع (بالتجمع العام) فهو الذي يكون في ميدان او اماكن عامة معدة لغرض غير التجمع، والسؤال هنا حول مدى امتداد الساحات الترابية والواقعة امام المنازل ضمن ملحقات المنزل والديوانية، فالواقع انه مهما قيل من محاولات لامتداد المساحات الواقعة امام المنازل لاصباغ الصفة المشروعة على التجمع الذي كان في ندوة الحربش فهي ليست الا محاولات تصطدم بحقيقة الامر، والواقع ان تلك الساحات تعد اماكن عامة غير معدة لغرض التجمع وغير محمية حتى تعرف بالمسكن المنصوص عليه دستوريا وقانونيا، وهي من املاك الدولة المخصصة لتقديم الخدمات العامة للقاطنين في المنطقة، وان القول بخلاف ذلك من شأنه اباحة التجمعات في جميع الساحات الترابية المقابلة او القريبة لاي ديوانية او ديوان وبصحبة عدد الحضور وصغر المكان، وهو ما يعني افراغ نص «التجمعات العامة» من مضامينه، وبذلك فان وجود الجمهور في خارج ندوة الحربش لاي سبب كان ينزع عن الموجودين صفة الاجتماع العام ويحولها الى تجمع يحتاج الى اذن وموافقة من السلطات المختصة، وعليهم منعه فور ابلاغ سلطات الامن لهم بذلك دون مماطلة او تسويف، وان الاحتجاج بصغر الديوانية وبعدد الحضور فان ذلك مردود عليه بامكانهم اقامة مثل تلك النشاطات في صالات اكبر او في ديوان آخر متسع، خاصة ان عدد الحضور لم يغب عن ذهن المنظمين للتجمع بل كانوا حريصين عليه وان حضور رجال الامن كان مبررا نظرا للوقائع التي حدثت في ندوة السعدون وما آلت اليه الاحداث فيها وكان خارج الاجتماع (الديوان) للتصدي الى التجمع غير القانوني خاصة وانذار السلطات الامنية بضرورة انها حالة تجمع، لذلك فان الادعاء بالغاء القانون برمته من قبل المحكمة الدستورية لقانون هو قول غير صحيح تماما وان تجمع «الا الدستور» المقام في ديوان الحربش فيما يتعلق بالموجودين خارج المنزل هو تجمع مخالف للقانون ومجرّم.
بعد ان انتهينا بيان الرأي القانوني السليم تجاه سريان قانون التجمعات تبقى النتيجة، وهي ان ما قام به وزير الداخلية يعد تطبيقا للقانون فاننا نقول ان المادة (56) من قانون الاجراءات اجازت لرجل الشرطة حق القبض بدون أمر على المتهمين في الجنح المشهودة، وتعتبر الجريمة مشهودة اذا ارتكبت في حضور رجل الشرطة وهو ما كان في ندوة الحربش، وهذا ما أكده حكم محكمة التمييز الكويتية في طعن رقم 86 لسنة 2003 حيث ذهبت الى ان الحرية حق طبيعي من حقوق الانسان والقبض والتفتيش لا يكونان الا في حالة التلبس او باذن من النيابة، كما ذهب حكم التمييز في طعن رقم 134 لسنة 2004 الى انه يجوز لرجل الشرطة في حالة التلبس بجناية او جنحة تفتيش مسكن المتهم، لذلك فان التجمعات ومنها ندوة الحربش تعد جريمة مشهودة مجرمة قانونا وان المادة (16، 20) قد أفردتا عقوبة عليها حيث نصت المادة (16) على انه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من نظم او عقد اجتماعا عاما او موكبا او مظاهرة او تجمعا دون ترخيص وكل من دعا الى ذلك ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وغرامة لا تتجاوز مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من اشترك في اجتماع عام او موكب او مظاهرة او تجمع غير مرخص فيه، كما نصت المادة (20) أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من لا يستجيب للامر الصادر بفض الاجتماع العام او الموكب او المظاهرة او التجمع» بل واكثر من ذلك ولكون الجريمة مشهودة فانه يجوز القبض والتحقيق حتى مع اعضاء مجلس الامة المرتكبين لهذا الفعل المجرم حيث ان الحصانة الاجرائية وفق المادة (11) من الدستور لا تغطي حالة الجرم المشهود كما لا تغطي بكل تأكيد المادة (110) الافعال، ناهيك عن كونها خارج المجلس ولجانه، لذلك كان لرجال الامن في تلك الاحداث الحق في القبض على المشاركين، نأتي لنقطة اخرى وهي انه يجوز لرجال الشرطة في حالة مقاومة أي شخص عند اعتقاله استعمالهم للقوة بالقدر الذي يمكّن رجال الامن من القبض عليه والتغلب على كل مقاومته حيث نصت المادة (49) على ان «لمن يقوم بتنفيذ القبض ان يستعمل القوة التي تلزم لتنفيذه والتغلب على كل مقاومة من جانب المقبوض عليه او غيره، علما بأن القوة الجائز استعمالها لا يصح ان تزيد على ما يستلزمه ضرورة منع المقاومة او الهرب ولا يجوز ان تؤدي الى قتل شخص الا اذا كان متهما في جريمة معاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد»، وان محاولات البعض فكاك المتهم من يد رجال الامن من شأنه تكييف وضعهم القانوني كشركاء في الجريمة وفقا للمواد 47، 48، 49 من قانون الجزاء، كما ان الاعتداء الواقع على رجال الامن سواء من النواب او الحاضرين يمثل جريمة مشهودة عملا بالمادة (135) من القانون، والتي افرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، اما بخصوص دخول اسوار منزل الحربش فالبين ان نص المادة (50) من قانون الاجراءات والتي اباحت هذا التصرف بقولها «لمن يقوم بتنفيذ القبض ان يدخل مسكن الشخص المطلوب القبض عليه للبحث عنه ان يدخل أي مسكن آخر لنفس الغرض اذا وجدت قرائن قوية على ان المتهم قد اختبأ فيه، على صاحب المسكن او من يوجد به ان يسمح بالدخول وان يقدم جميع التسهيلات المعقولة لاجراء البحث عن المطلوب القبض عليه واذا رفض او قاوم فلمن يقوم بتنفيذ القبض اقتحام المنزل او المسكن عنوة واستخدام القوة في الحدود المرسومة»، ولما كان الامر بصدد جريمة مشهودة فانه يجوز القبض وعلى اصحاب المنزل التعاون ودخول المنزل والا جاز اقتحام المنزل وليس مجرد الوقوف عند اسواره كما نصت عليه احكام المادة (43) من قانون الاجراءات والتي نصت «لرجل الشرطة اذا شهد ارتكاب جناية او جنحة او حضر الى محل الحادث والجريمة لاتزال مشهودة ان يقوم بتفتيش المتهم ومسكنه»، لذلك ننتهي الى ان ما قام به رجال الامن يتفق وصحيح القانون والدستور.
والله ولي التوفيق.
www.riyad-center.com