قد يتبادر لذهن القارئ من قراءته لهذا الموضوع انها ظاهرة عابرة لن تستغرق وقتا طويلا لمواجهتها، إلا ان القارئ حينما يستغرق في قراءة سطور هذا المقال سيتعجب من الأمر، فالوضع الطبيعي أن ينتحل أحد المجرمين صفة ضابط المباحث لاستيقاف المارة بالطريق وتفتيشهم والاستيلاء على ما معهم من نقود وأشياء ثمينة، وهو الأمر المعتاد والطبيعي، وما أكثره هذه الأيام، ويتوجه المجني عليه للمخفر للإبلاغ عنه ويتم التوصل بعد فترة من إجراء التحريات إلى شخص مرتكب الواقعة، أما الغريب في الأمر والذي أصبح ظاهرة وعلى وزارة الداخلية مواجهتها بعنف وحزم وشدة تلك التي ترتكب من أفراد عسكريين تابعين لها وذلك بانتحالهم صفة ضابط مباحث واستيقاف المارة، وخصوصا الخدم، واقتيادهم إلى أماكن مجهولة محاولين الاعتداء عليهم وسلبهم أموالهم وشرفهم، ولعل الغريب في الأمر أن هؤلاء الأفراد العسكريين يعلمون أن أفعالهم مجرمة ومستهجنة، ومع ذلك يقدمون على ارتكابها، وهو ما يجعلنا نشير إلى أهمية هذا الموضوع ونبرزه لوزارة الداخلية لكي تجد مفهوما وحلا لهذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار بمجتمعنا، وهو ما يجعل المواطنين المتواجدين على أرض هذا الوطن يقل احترامهم لهذا الجهاز، لاسيما انه يتم إيقاف أي شخص في الطريق من قبل عسكري أمن طالبا هويته، وهو ما يجعل المستوقف لا ينصاع إلى طلب عسكري الأمن ويحاول الهرب منه خشية تعرضه لواقعة سلب وخطف، وما دعاني لهذا السرد ما قرأته في جريدة «الأنباء» بعددها الصادر يوم 20/12/2010 في الصفحة الأمنية، المعنية بالأحداث التي تمر بها بلادنا يوميا، أن وافدة إثيوبية (تعمل خادمة) كانت في طريقها من منزل كفيلها إلى فرع جمعية تعاونية لشراء احتياجات المنزل، ففوجئت بشخصين يطلبان منها التوقف والدخول في المركبة التي كانا يقودانها بعد أن أبرز أحدهما بطاقته العسكرية لها وادعى أنه رجل مباحث، فما كان من الخادمة إلا أن طلبت من العسكري أن تتصل بكفيلها، إلا أن العسكري رفض وحاول دفعها إلى داخل المركبة، فقامت بالاستغاثة والصراخ بالمارة، ولحسن حظها تصادف مرور سيارة الدورية فقام رجالها بإنقاذ الخادمة، وبالتدقيق على بيانات هذين الشخصين تبين أن أحدهما عسكري يعمل في أمن المنشآت والآخر شقيقه، وبمواجهتهما بأقوال الخادمة قررا في البداية أنهما كانا يريدان التأكد من هويتها، إلا أن رجال الدورية واجهوا الخادمة بالعسكري، فأكدت لهم أنه حاول اختطافها بعد أن ادعى أنه من رجال المباحث رغم أنه يعمل في إدارة المنشآت، وبتضييق الخناق على العسكري وشقيقه اعترفا بأنهما حاولا اختطاف تلك الخادمة والذهاب بها إلى أحد المخيمات للاعتداء عليها، كما اعترفا بانتحالهما صفة رجال مباحث، تلك هي الواقعة التي قرأتها بصحيفة «الأنباء»، وسألت سؤالا راودني: ما سبب انتشار هذه الظاهرة في وزارة أمنية يجب عليها قبل تعيين من ينتسب إليها أن يخضع لتحريات دقيقة لاختياره لهذه المهمة؟ الإجابة لدى وزارة الداخلية، وعليها أن تجد تفسيرا مقنعا للمواطنين عن سبب انتشار تلك الظاهرة والعمل على الحد منها، لاسيما أن العسكري يعلم أن فعله مجرم، إلا أنه أقدم عليه وهذا يوضح عدم اكتراثه وخوفه من العقاب أو أن جريمته لن تنكشف، لاسيما أن سوء حظه العاثر أوقعه في قبضة دورية الشرطة وأنقذت الخادمة من براثنه، ولعل المنظور القانوني لهذه الواقعة يشير إلى عدة نصوص جزائية، فالعسكري وشقيقه قد شرعا في خطف خادمة، لكن تلك الجريمة لم تكتمل وذلك لإنقاذها من قبل دورية الشرطة، وكان هدف العسكري وشقيقه من الخطف هو الاعتداء عليها، وهو ما جرمه المشرع الجزائي وأفرد له عقابا أوردته المادة 180 وهو الإعدام، إلا أنه ولما كانت الواقعة وقفت عند حد الشروع فإنه يعاقب عليه بالمادة 46 من قانون الجزاء وذلك بالحبس المؤبد كحد اقصى وتقدير المحكمة العقوبة حسب ظروف المتهمين والواقعة والمجني عليها، فضلا عن ان ما قام به العسكري وشقيقه من انتحالهما لصفة رجال المباحث هو ما أفرد له المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات عملا بالمادتين 231 و232 من قانون الجزاء. وفي نهاية مقالي، أتوجه لوزارة الداخلية أن تدقق في معايير اختيار العسكريين العاملين لديها وأن يكون انتقاؤهم وفق معايير دقيقة خاضعة لإشرافها الشخصي دون تدخل وساطة في الأمر حتى يكون هؤلاء العسكريون خير من يمثل الأمن في مجتمعنا، لاسيما أن ظاهرة انتحال صفة أفراد المباحث ممن يعملون في جهاز الشرطة كثرت في الآونة الأخيرة، وهو ما ينذر بالخطر، لأن هذا الجهاز هو حامي الأمن في البلاد، وهذه الأفعال لاشك تفقد من هيبته، لاسيما إن كان من يفعل تلك الجرائم من المنتمين لهذا الجهاز الحساس في البلاد وان كنت أعلم ان هذه الأفعال تأتي من قلة مستهترة لا يمكن أن تنال من هيبته وقدسيته.
والله ولي التوفيق.
www.riyad-center.com