تغيب عن أذهان كثيرين من رجال الأمن بمختلف مسمياتهم سواء كانوا شرطة أو مباحث أو مرورا.. أو خفر سواحل.. أو إداريين.. وهم في غمرة السلطة، الأمانة الملقاة على عاتقهم والتي اقسموا عليها، خصوصا أمام ضعف الرقابة والمتابعة ما بين الرتب وترك الحبل على الغارب مما يشجع كثيرين من منتسبي هذه الأجهزة خاصة ضعاف النفوس أو من لديهم ميول إجرامي وشغف انحرافي على ارتكاب جرائمهم علما ان كثيرا من منتسبي الأجهزة الأمنية وبالأخص الرتب الصغيرة غالبا ما يكونون أشخاصا لديهم مشاكل أسرية أو شخصية مما ينعكس سلبا في أمانة العمل ويتسبب في ارتكابهم للجرائم.
ولعل حادث قتل الحدث «المكلبش» للعسكري الذي بعدما أن حمل مسؤولية نقل هذا الحدث بالدورية إلى جهة الاختصاص.. وأثناء نقلة للحدث حلا في عينه وتغلب عليه شيطانه، فرآه فريسة سهلة يشبع بها غريزته الملتهبة، فما كان منه إلا أن نزل به بالدورية في منطقة برية وأخذ الحدث ووضع «الكلبشة» واحدة بيد الحدث والأخرى بيده، وفي هذه الاثناء حدث ما لم يتوقعه هذا العسكري، حيث باغته الحدث وهو في حالة التهيئة لهتك عرض الحدث بأن أمسك بطابوقة موجودة بالأرض وهشم بها جمجمة هذا العسكري دفاعا عن نفسه وعرضه.. ثم سحب الحدث الجثة (العسكري) مسافة 50 مترا حيث تقف دورية الشرطة.. آملا في الحصول على تلفونه (الموبايل) أو أي تلفون ومفاتيح الكلبشات.. ثم اتصل بأمه واخبرها بالجريمة. هذه صورة مختصرة لواقعة بشعة من جميع النواحي تناقلتها الصحف المحلية وبصورة متكررة، كما هو في صحيفتنا اليومية «الأنباء»، حيث نقلت الجريمة واحداثها ابتداء من يوم السبت 28 مايو 2011 وما لحقها من تكرار للموضوع وما لحق به من آثار وتعليقات.
والمنظار القانوني لهذه الجريمة يكون من ناحيتين. أولا بالنسبة إلى الحدث الذي قتل العسكري فإن قانون الجزاء الكويتي كغيره من القوانين والشرائع الدينية، وفي مقدمتها الدين الإسلامي الحنيف، حيث المستقر شرعا هو أن الإنسان متى كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله فإنه لا يعاقب، بل لو قُتل وهو في حالة الدفاع فإنه شهيد، انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم «من قاتل دون نفسه أو عرضه أو ماله وقُتل فهو شهيد»، كما ان قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 ذكر في «(أسباب الإباحة» المادة 26 التي تنص على أن الفعل لا يعد جريمة عند قيام أسباب الإباحة، والمادة 28 التي تنص على انه «لا جريمة إذا ارتكب الفعل.. لحق يقرره القانون»، والمادة 34 التي تحدد حالات الدفاع الشرعي في القتل العمد وتحصرها في دفع جريمة من الجرائم التي يتخوف فيها الإنسان من تعد على نفسه يؤدي به إلى الموت أو جرح بليغ ـ أو مواقعة أو هتك عرض بالقوة ـ أو لدفع واقعة اختطاف بالقوة والتهديد. فإذا قارنا هذه النصوص مع واقعتنا محل الذكر فلو لم يكن فيها الحدث في حالة دفاع عن عرضه لكان يطبق عليها نص المادة 149 جزاء وهي الخاصة بجرائم القتل العمد حيث تنص على أن «القتل عمدا يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد......»، وطبعا الحدث يطبق عليه نص العقوبة حسب قانون الأحداث، ولكن بسبب انه في حالة دفاع شرعي عن عرضه ونفسه فإذا ما تأكدت المحكمة من هذا فإنه لا عقاب عليه.. ويكون أمام حالة من حالات الإباحة التي حددها القانون. أما جرائم المرحوم العسكري فإنها تسقط بوفاته، هذه بإيجاز بسيط واقعة بشعة أشعلت وشغلت الرأي العام، وضمير الشارع الكويتي، رأيت ضرورة عرضها وتوضيح الوضع القانوني فيها مع لفت الانتباه، خاصة للمسؤولين، وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، لضرورة التتبع والمتابعة والتطوير والاهتمام بهذا الجهاز الذي يعتبر العمود الفقري للحياة داخل أي دولة فمن خلاله تنظم المؤسسات والأفراد حاضرها ومستقبلها وآمالها وتطلعاتها.. فلا حياة بلا أمن ولا أمن بدون متابعة ومثابرة وجهد وجهاد.
www.riyad-center.com