قد تكون هناك علاقة متوازية بين التقدم العلمي وتطور الاحتياجات الإنسانية، ولا نملك حاليا حسم هذه المعادلة إلا بالقياس على مدى تأثير التقنية العلمية على الإنسانية، ولقياس ذلك لا بد لنا من الغوص في بحر العلوم الإنسانية وملاحظة التأثير والحاجات الاجتماعية على الأفراد، لكن الملاحظ ان الاحتياجات أخذت من التفاهة ما يسد شهية أي باحث اجتماعي فبالكويت أخذنا من التكنولوجيا قشورها وألغينا بحسن نية المضامين، تسابقنا على اقتناء آخر ابتكارات الآخرين ونسجنا كذلك بحسن نية المظاهر وصدقنا بكثير من الحب انها انعكاس حقيقي لنا.
ولم يتوقف طموحنا أمام المظاهر بل نحا نحو تغيير التعابير والأشكال عن طريق الإقبال الكبير على إجراء عمليات التجميل، وكأننا نحاول وبحسن نية كذلك ان نقلد أفلام الخيال العلمي لتوم كروز، ومحاولة خلق جيل متشابه في الملامح والصفات.
وكأننا نريد إلغاء الاختلاف في الشكل، بعد ما أدمناه ولفترة في المضمون، فهل لهذا الحد صرنا عبيدا للتقليد، كلما طالعتنا فاتنة أو وسيم من أبطال الوقت الوهميين من ممثلي هذه الأيام، أردنا أن نقيس ملامحنا على تدرج معاييرهم حتى نتمتع بالجمال في نظر الآخرين، فبعد عدسات «اللايدي غاغا» وشفاه «هيفاء وهبي» وضحكة «نجوم هوليوود» وأنف «مارلين مونرو» وحتى أرداف «ريانا» لا ندري ما تخفيه الأيام المقبلة من هبات وألوان وموضة، يحدد قوانينها ومعاييرها كبريات دور الأزياء العالمية في باريس ولندن ونيويورك، لنعود الى السؤال الإشكال: ما الذي سنكسبه من تغيير الشكل؟ هل مدح وإطراء أكبر يشبع نرجسيتنا الدفينة؟ أم إثارة للانتباه تجعل الكل مفتونا بالشكل؟ أم أشياء أخرى لا يدركها إلا صاحبها؟ وفي ذلك كله تأكيد لما قاله «دوروثي ماي» بأن الجمال للمرأة كالمال للرجل قوة وسلطان.
فالتعريف الفقهي للجراحة التجميلية في القانون هو «مجموعة العمليات التي تتعلق بالشكل والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية أو مكتسبة في ظاهر الجسم البشري، تؤثر في القيمة الشخصية أو الاجتماعية للفرد»، ويرتبط هذا التعريف بضرورة أن يتوافر لدى جراح التجميل التخصص الطبي الدقيق في هذا المجال.
ولعل هذا التوضيح يفسر كثرة خبراء التجميل، لسهولة العملية، فهي في مجملها عبارة عن حقن بإبر «البوتكس» أو زرع الشعر، أو القضاء على التجاعيد ونحت الجسم حتى يصير على مقاس جسم إحدى بطلات أو أبطال المسلسلات الغرامية، الذي نال من الإعجاب أضعافا مضاعفة مما ناله «دوستوفيسكي» أو «العقاد» أو غيرهما من أصحاب القلق الفكري والهم التساؤلي.
وللتوضيح وجب علينا أن نشير الى أن رجال الفقه قد أكدوا على اعتبار أن التزام الجراح بجراحة التجميل هو التزام بتحقيق نتيجة، حيث يسأل هذا الجراح عن الفشل في العملية، ما لم يقم الدليل على انتفاء علاقة السببية بين ما فعله والضرر الناتج وهو فشل العملية وخاصة حين تكون هذه العملية لا تفرضها ضرورة علاجية، فيقع على عاتقه تحقيق النتيجة.
وبالتالي فأطباء الجراحة التجميلية يجب أن يرتبطوا أكثر بقسم أبوقراط في المتون والمضامين وأن ينسوا ولو لوهلة العوائد التي تعمي البصيرة، فإذا لم يحققوا نتيجة وجبت معاقبتهم لأن الغرض الأساسي ليس علاجيا بل تجميلي فقط ولا تفرضه ضرورة، وبالتالي يقعون تحت طائلة المساءلة القانونية، ففي القانون الكويتي وجب احترام متون المادة 30 من قانون الجزاء الكويتي.
فيا سيدتي لا تنجرفي وراء الوهم، فأنت بطبعك جميلة، وليس هناك ضرورة لتقليد إحداهن حتى تصيري أجمل، ولا ضرورة لتصديق عروض مصحات التجميل، فلديك شخصيتك المستقلة، واجعلي من نفسك مقياسا يتبع، هناك حقائق كثيرة في الحياة بعضها نصدقه على مضض لكن بواسطة التأثير الاجتماعي سيصبح عادة، ومنه جراحات التجميل وأنا لست ضدها إذا توافر السبب في إصلاح عيب خلقي أو نتيجة حادث قد يجعل صاحبه محلا للسخرية والاستهزاء على نحو يعرضه للاضطرابات النفسية أو العصبية ويجعل حياته صعبة، بل أنا ضد جشع المصحات المتخصصة في عمليات التجميل، وضد الإعلام الذي يولد حاجات تافهة تصبح مع مرور الأيام أساسية، وضد تقليد أبطال وهميين صنعهم الإعلام وأبرزهم الغناء، ولا أجد أبلغ ما أختتم به مقالتي هذه من القول الرائع الذي يفيد بأن المال يجلب لك أصدقاء المصلحة، والجمال يجلب لك أصدقاء الشهوة، أما الأخلاق فتجلب لك أصدقاء العمر.
www.riyad-center.com