كنت قد كتبت في هذه الزاوية الأسبوع الفائت وتحت عنوان «سهام النساء» منتقدا برفق موقف الفاضلتين «ابتهال الخطيب» و«لمى العثمان»، المتعلق بـ «خالد الفضالة» وما أبدتاه كتابة حول قضيته التي سجن بسببها، قبل أن يرأف به قلب القاضي، فيخرجه من السجن ويعيده إلى بيت ذويه.
أما سبب اختياري الكتابة عن تينك الفاضلتين دون سواهما ممن خاضوا وخضن في القضية ذاتها، فمرجعه إلى كوني أراهما فيما تملكان من موقف فكري وفلسفي وثقافي، أكبر من أن تمسكا بالطبول في زفاتنا السياسية الكاذبة، أو تشعلا البخور في حفلات الزار الكثيرة والمتوالية والمتتالية في بلادنا التي مافتئت تبحث عن بطل تنحني له المتون ليعتليها، والحناجر تصهل ببطولاته، والأكف يتقاطر دمها تصدية وتصفيقا، وهذا أمر بدهي، فكل جماعة وكل أمة تواقة دوما إلى الخلاص من محنها ومآزقها، ويعلم الله أي مأزق نحن طوع مخالبه، ينهش فينا نهش الضواري الجائعة، وأي محنة سوداء تركن في سويداء قلوبنا.
ولكن، لا المأزق سياسي ولا ربيبته المحنة، بل إننا ضحايا استلاب فكري وثقافي ومعرفي أيضا، هو الذي قادنا إلى حالة الدمار التي نعيشها بغصة مميتة، وهي التي أنتجت واقعنا السياسي وسيادة الغوغاء وغوغائيتهم التي ألجمت ألسن الناصحين وأبطلت حكمة العقلاء.
لذلك ونحن رهناء هذا الواقع فإن عيوننا يجب أن ترنو إلى «بطل» فكري يغير ما استقر في العقول وما وقر في النفوس، لا أن تشخص فيمن لم يقرأ الواقع قراءة سليمة فاجتهد مشكورا فإن أصاب أو أخطأ فيكفيه شرف الاجتهاد، دون أن ننساق نحن أمام عصاه.
ونظرا لعدم معرفتي - وهذا محل افتخاري - بالتراكيب السياسية الهلامية المتكاثرة في البلاد، من تكتلات وتحالفات «إشي وطني وإشي ديموقراطي وإشي شعبي» فقد خلطت الشامي بالمغربي، وجعلت «عباس على دباس» وكحلت الخدود وبودرت العيون، ووضعت «الجاسم والفضالة في سلة واحدة».
وكنت فيما كتبت قد أشرت خطأ - لا عمدا - إلى أن «ابتهال» و«لمى» قد حركتهما دوافع سياسية في قضية الفضالة، لكنهما أوضحتا لي ثباتهما على مبدئهما بالوقوف مع أي شخص بغض النظر عن انتمائه.
وإذ أشكر لهما هذا التوضيح وأثني على ثباتهما المبدئي، فإنني في الوقت ذاته أتمنى عليهما ومعهما زميلتهما «إيمان البداح» أن يستمررن بالتحليق في فضاء التنوير، وأن يتسامين عن صغائر وقائعنا السياسية التافهة، لأن ما يملكن ويقدرن على توصيله، هو أهم بكثير ودون مقارنة من معارك صغيرة يشق غبار وقائعها صدور مثيريها ومتتبعيها.
فلمثل تلك التوافه أهلها وفرسانها، ولست أراكن إلا فارسات تمتطين صهوة الحقيقة التي جفلت جحافل من الرجال عن إتيان حياضها.
[email protected]