نصف الشعر ككله..
شطر منه كمعلّقة كاملة الاوصاف الشعرية، لا ينقص عنها خردلة..
والشعر كالحسن قليله كاف وكثيره فائض مستحب..
كان شعرا بقدمين ولسان وشفتين، وبقامة ممتدة طولا، وبيدين ترسمان في الهواء كلاما تقرؤه سابلات الاعين.
هذا الحشد كله كون شاعرا اسمه «غازي القصيبي».
كان من الذين ينشدون الشعر ويموسقونه ويضبطون له الايقاع خشية الزلل.
يزين قصيدته بوردة يغرسها في شعرها ويسبل عليها ثوبها الحريري حينا، وحينا يجهز لها الفرس والسيف والدرع ويطلقها تحارب اراجيف المرجفين.
شعره كان نشيدا وتراتيل تروّي عطاش النفوس وتذيب جامدات احزانها وتفتح بحيرات زلالية لتسبح فيها النفوس ذوات الادران والحابسات ذنوبها في معقل النفس.
في غزو صدام لبلادنا جعل غازي القصيبي من لسانه سيفا باترا قاطعا صارما، لا ينبو ولا يطيش في قول او معنى، واطلق بعضا من افراسه تلك تصول لتبطل الباطل وتجول لتعلي راية الحق التي تأبى ان تنكس، في حين خرس فيه آخرون، وآخرون امتطوا ظهر صدام ومصوا لسانه مستخرجين فواحشه، وآخرون اكتراهم صدام حسين واسكنهم في حظيرته وصار يعلفهم، ثم يطلقهم في ميدان النباح!
غازي القصيبي جعل احتلال الكويت قضية ذات لسان لا يشيب.
كانت قصائده الكتائب الاولى في جيش التحرير، وكانت اول بلاسم مداواة الجرح الكويتي، وكانت اليد التي كفكفت دموعنا المحترقة والحارقة.
ارتدى غازي عباءة احزاننا وحاك لنا بحروفه عباءات الامل، وزرع دروبنا بآمال خضر.
ما اصعب رثاء الشاعر، تحترق الكلمات بين يدي كلما هممت بفتح قاموس الرثاء.
ان الكلمات هي الأحزن والادمع والالوع والاذرف دمعا حين يرفع الموت رايته السوداء في قلب شاعر، وحين يودع الشاعر دنيا لم تمل عيناه كثرة نوافذها.
حزينات، بنات الشاعر، مغرورقات عيونهن بسواد يتجدد، يخلعن رداء الحزن ليرتدين حزنا جديدا.
يموت الشاعر مع مولد كل قصيدة، فتعيش الوليدة ويموت الشاعر في انتظار موت آخر.
موت الشاعر موت من نوع آخر، موت يغلق صفحة بيضاء ويفتح صفحات سوداء بلا حروف.
الكويت حروف كتبها غازي القصيبي بدمع صادق حين خانت العيون، وبلسان امين حين كذبت الالسنة.
غازي القصيبي سلام لك وعليك في موتك، من بلاد بلسمت جراحها وتقدمت قوافل الزارعين حقول نصرها.
وسلام عليك ايها المبارز الذي اغمد المبارزون سيوفهم، حين لألأ سيفك وصلصل.
سلام لا لتسمعه اذناك، ولكن ليصافح روحك.
[email protected]