«البكيني» هو ساتر عورة المرأة، وهو خير من عدمه!
ولقد أثيرت في الأيام الأخيرة، قضية ارتداء بنت السيد «محمد البرادعي» الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية والمرشح لمنصب رئيس الجمهورية في بلاده «مصر» حيث قام بعض «أولاد الحلال» بنشر صور ابنته المتزوجة وهي ترتدي «البكيني»، قاصدين من ذلك الإساءة إليه، والتأثير على فرص فوزه في المنصب الذي يسعى إلى الفوز به، وكذلك للإيقاع بينه وبين مناصريه «الإخوان المسلمون» والذين ستتأثر مصداقيتهم وهم يناصرون رجلا تلبس ابنته «البكيني»!
تفحصت الأمر وقلبته على وجوه عدة، فلم أجد فيه ما وجده أولئك الذين قاموا بنشر الصور، من حيث مساسه بشخصية البرادعي أو علاقته بالعمل السياسي! فلست أرى أن البرادعي قد ارتكب ما يخل بشرفه السياسي أو يظهر تقصيره أو عدم صلاحيته للمنصب المتقدم إليه، ولا أقول ذلك دفاعا عن البرادعي – تحديدا – بل هذا الرأي ينطبق على الخلق جميعا وعلى أي متقدم لأي وظيفة أو منصب، حتى لو كان منصب «المفتي»!
أين الجريمة وأين الخطأ؟! فجل النساء يرتدين «البكيني»، وبنت البرادعي – إذن – ما أخطأت، ثم إذا تجاوزنا هذه الحقيقة وتلك البديهية وجارينا القائلين بجرم مرتدية «البكيني» فما ذنب أبيها؟! هل هو من ارتدى «البكيني» حتى تؤخذ عليه زلة وخطيئة وجرما؟!
أم كونه سمح لابنته بارتداء البكيني، اعتبروا ذلك مثلبة تحط من قدره السياسي؟ هل ساءل أولئك القوم أنفسهم ما إذا كانت سلطة الأب أو سطوته تمتدان إلى البنت وتسيطران عليها حتى بعد زواجها وارتباطها برجل آخر ودخولها مملكة مستقلة ليس للأب من سلطان عليها؟
من المفترض أن يكون الذين نشروا الصورة هم من المتدينين ودافعهم إلى ذلك غيرتهم الدينية وعدم مباركتهم لرجل غير متدين يحتل عرش بلاد المسلمين، وعلى افتراض صحة هذا الاستنتاج حول الهوية الدينية لناشري الصورة، فإن الخطأ والإثم في هذه الحالة يقعان عليهم هم، لا على غيرهم، فقد خالفوا صريح الدين بتجسسهم على حياة الناس الخاصة، ثم أثموا بنشرهم للصورة التي يعتبر نشرها من وجهة النظر الدينية محرما، وهم بذلك سعوا إلى نشر المحرم، ثم إن الدين يحض على مكارم الأخلاق، ولا أظن فيما فعلوا مكرمة!
أما إن كانوا لا ينتمون للفصيل المتدين، فأحرى بهم أن يعززوا الحريات الفردية في إطارها المعقول، لا أن يعتبروا البكيني مقاسا للأخلاق وصحيفة سوابق للسياسي.
هل نحن مدانون ومعيبون إذا ما ارتدت بناتنا البكيني؟! أم ان المدان والمعيب والساقط هو من تجسس عليهن وقام بنشر صورهن – لا انتقاما منهن – بل من آبائهن؟!
وأهم ما في هذه القضية أن الرجل مرشح لمنصب سياسي، ومحاسبته أو محاكمته وتقييمه يجب أن تتم وفق هذا المعيار السياسي، لا وفق أمزجة سوداوية متخلفة ترمي إلى هدم الرجل وهزيمته إنسانيا، لا سياسيا فقط!
إن النظر للأمور السياسية يجب ألا يمر عبر البوابة الدينية بأي حال من الأحوال، ولا – أيضا – من خلال الموازين أو القيم الأخلاقية التي هي محل خلاف بين طوائف المجتمع، فما يراه هذا الفريق عيبا ومثلبة يراه الفريق الآخر محل تباه وتفاخر، وهذه هي طبيعة المجتمعات كلها، وإلا أضحت مجتمعات باهتة ميتة لا حراك فيها، ثم إن منظومة الأخلاق والعادات والتقاليد هي منظومة متحركة وغير جامدة، وسريعة التغيّر، ويبدو هذا الأمر جليا عند الجماعات المتدينة – على وجه الخصوص – فنراهم يسارعون إلى تحريم المستحدث والمستجد ثم يتحولون إلى أكثر الناس استفادة منه، مثلما حدث عند محاربتهم للستلايت والأطباق اللاقطة، وهاهم اليوم يملأون الفضائيات بغثهم ويملأون جيوبهم بأموال تلك الفضائيات!
[email protected]