- مصر التي في خاطـري ومصـر التـي فـي مدمعـي .. بـون مـن سنيـن وبشـر وحوادث وأهوال
- حين يستقبل العالم عامه الجديد بالدم وبالموت الإلزامي.. فلابد أن نذرف دمعاً «من خلائقه» العذر
- في ذاكرة الزمن يوم مولده وتحددت السنوات بيوم مولده يبــدأ العــام بذكــــرى مولـده وينتهي بذكراه القادمة
- أحمل كل حرف مكتوب.. كتبته بدمعي وبقلبي المحروق .. دعاء بالرحمة لأولئك الأبرار الذين قضوا في الفاجعة
بين «مصر التي في خاطري».. «ومصر التي في مدمعي».. بون من سنين ومن بشر.. وحوادث وأهوال..
حروب وموت وبكاء..
انتصار وأغاريد..
تراتيل وتلاوات..
وأجراس وتكبيرات..
والله شاهد حي..
ولا منكر لآيات الله..
ومن دهور مرقطات مدلهمّات.. وأُخَر متجملات ملوّنات..
ومن آيات مؤذّنات مكبرات ترج الأسماع.. وتصدع لها قاسيات القلوب..
وأجراس تدق تكشف بوح السماء القديمة..
ومياه النهر العظيم جاريات إلى مستقر لها.. في أرض خصيب وفي فمٍ «في فمه ماء»..
من شدو بنات الجن
«مصر التي في خاطري» بكائية منسوجة على منوال حب الوطن..
شجية باكية.. تحبس الفؤاد السامع حبسا إجباريا..
شدو كأنه من شدو بنات الجن..
هل سمع أحدكم شدو بنات الجن؟
ما كان يخطر لي أن بنات الجن يشدون.. وإن شدون فلابد أن يلبسن براقع البكاء..
وأن يسفحن الدمع الهتون..
وأن يرقصن القلوب المؤمنة التي تخشع..
ولي كالمؤمنين قلب خشوع..
البهاء الكاذب
حين يستقبل العالم عامه الجديد بالدم وبالموت الإلزامي وبالأرواح الطائشة بين موت وجرح.. فلابد أن يذرف دمعا «من خلائقه» العذر..
وأي عذر يشفع وأي كلام ينفع.. وأي دمع يردع..
فلقد جنّحت الأرواح وقادتها ملائكها إلى «سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم»..
أما الأجساد فقد دُسّت في تراب الأرض.. عادت إلى أمها الأرض..
قُضي الأمر.. وحل الموت.. وخلت الحياة فجأة من بشر أمسوا ليلتهم تلك ضاحكين فرحين..
صدّقوا وعد الحياة.. بسنة جديدة.. وبعمر جديد.. ووعد جديد..
وحياة جديدة..
بأقمار سوف تهل تهدّئ روع لياليهم الجافلات..
وبشموس سوف تحرث أرض أيامهم المجدبات..
كانت تعدهم ببهاء كاذب..
وحتى هذا البهاء الكاذب.. ضنت به عليهم وسلمته للموت..
ليته ما نطق
أكتب عن تلك الفاجعة «السكندرية» المصرية.. فاجعة كنيسة «القدّيسيْن» كانت تلك الفاجعة، أول كلمة بهتان نطق بها لسان عامنا الجديد هذا..
هم «نصارى» وهم «مسيحيون» هم «أهل ذمة» وهم «أهل كتاب»..
هم أتباع نبي سمح.. غارس في القلوب تعاليم السماء..
جاء إلى الحياة بمعجزة.. وودّعها بمعجزة..
هكذا أراد له الله.. وهكذا كانت مشيئته..
أن يكون المسيح ـ نبيُّه ـ من روحه.. من روح الله..
(والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) الأنبياء: 91.
ثم الموت المعجزة..
(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم)..
ليلة الفاجعة
في ذاكرة الزمن يوم مولده..
وتحددت السنوات بيوم مولده..
يبدأ العام بذكرى مولده.. وينتهي بذكراه القادمة..
وتزيّن أتباعه المصريون ذات ليلة من ليالي مولده ـ ليلة الفاجعة ـ وتواعدوا على الفرح وتجديد الولاء لنبيهم ونبينا نحن أيضا.. فالأنبياء ليسوا كالملوك لهم رعايا في حدود ممالكهم.. الأنبياء يرعون البشر أجمعين في أزمنتهم وفي أزمنة لاحقة.. وعلى امتداد الأزمنة كلها.. وفي الأرض الممتدة كلها وبلا حدود..
إنها رعاية الأطهار للأطهار..
ورعاية الأطهار للعصاة أيضا..
لا يُقصون عاصيا عصى.. ولا ي
نبذون كافرا بهم..
قلوبهم مشرعة دوما.. تقبل توبة التائبين..
حطب النار
في ثنايا ذلك الفرح.. اختبأ الموت المجرم..
اندس بين الزينة والفرحة..
بين الخدود المتلاصقة تهنئ بالعام الوليد..
بين الشفاه المبتسمة..
بين الأيدي الممتدة تصافح العيد وتسالم الحياة..
تزيى ببياض كاذب.. وبورع الشياطين.. وتقى الأبالسة..
ذيله طويل نجس..
وقرناه سوداوان كأنهما من حطب النار..
ومن الفرح الصغير حزن كبير
خرج السواد من وسط البياض..
والموت من وسط الحياة.. والحزن من قلب الفرح..
يالها من فاجعة..
الأيدي التي جاءت تصفق للعيد.. حملت الأجساد إلى لحودها..
والعروس التي تزينت لحياتها.. سبق الموت عريسها.. فاتخذها خليلة بلا روح ولاجسد..
هكذا هو الموت يحب عرائسه..
بلا روح ولا جسد..
ما حاجة الموت لأجساد ناضحة فواحة..!
الوأد الشريف
نوع من الموت.. هو ضرب من ضروب وأد الأحياء..
ولكنه وأد غير شريف.. لأنه بلا غرض..
وأد أحياء لأحياء لا يحبونهم..
أين منه وأد الجاهلية..
وأد الجاهلية كان لأغراض «إنسانية»..
وأد محب لمن يحبه..
وأد دافعه الخوف على الشرف من الثلم والإباحة والانتهاك والعمومية..
هكذا كانوا يبررون وأدهم المجنون في تلك الأزمنة السحيقة..
فبأي ذنب وئد المسيحيون في كنيسة الإسكندرية؟!
لا أسأل الموءودين ولكنني أسأل الوائدين.. بأي ذنب قتلتم المسيحيين؟
أي شيطان أمركم؟
أي شيطان أنتم عابدون؟!
براءة الشيطان
من ملككم الأرض.. وأرواح أهلها..
ياأيها الكافرون..؟
من قال لكم أنتم أرباب دين.. وبالموت وحده يستقيم لكم الدين الذي به تدعون؟
برئت منكم الأديان يا عباد الموت..
حتى الشيطان يبرأ منكم..
قرون الموت
حين يكثر الشياطين.. لا تبحث عن ملائكة..
إن الملائكة لا تندس بين الشياطين..
وحينما امتلأ ذلك المكان بالشياطين الذين فجروا الكنيسة وقتلوا المصلين.. كانت ردّة فعل بعض الذين مات أهاليهم أمام عيونهم، أن رجموا المسجد.. وكأنما رجم الحجارة بالحجارة.. يعيد روحا انصرفت إلى بارئها..
وكأنما هذا البيت الرباني هو الذي هيأ للشياطين قرون الموت..
أليس «عيسى» أخا «محمد»؟!
هل يتصارع الاخوان الطاهران النبيان؟!
إن الأنبياء لا يتصارعون..
فيا أتباع «عيسى» ويا أتباع «محمد» ما كان هذا نبيا وذاك مغتصب نبوة..
كلاهما نبي.. لا يصح إيمان أحدكم إلا بتصديقهما هما الاثنين.. فإن نبا أحد منكم بقول أو بفعل ضد أحدهما فقد كفر بنبيه مثلما كفر بالنبي الآخر..
إن الرسالات لا تُغتصب..
هي كتاب امتد زمن كتابته.. وتعدد حاملوه..
حمله «عيسى» وحمله «محمد» وقبلهما حمله «موسى» عليهم سلام الله أجمعين..
وما أنتم أيها المؤمنون الا متممون لرسالاتهم بطاعتكم لهم واتباع تعاليمهم الحاضة على المحبة والتآخي وتوحيد الطريق..
لا تصدقوا من قال إن قاتل المسيحيين في كنيستهم ليلة عيدهم هو مسلم، إن أول تعريف للمسلم هو «من سلم الناس من لسانه ويده»..
فأين السلامة في ذلك الفعل المجرم؟!
هل الموت سلامة من اليد أو حتى من اللسان؟!
وكم من لسان قتل.. وكان أشد في قتله من اليد..
فيا إخوتنا المسيحيين.. بلسان مسلم مسلم صادق أمين.. أقول لا تحسبوا أولئك البغاة الطغاة الظالمين الفجار القتلة المأجورين، لا تحسبوهم علينا..
هم ليسوا منا..
جلودهم ليست جلودنا وأرواحهم ليست أرواحنا..
لم ينبتوا على أرضنا ولا ظللتهم سماؤنا..
لهم دينهم ولنا ديننا..
أنتم الذين منا..
أنتم إخوتنا وأهلنا وعشيرتنا..
رضعتم ما رضعنا..
وطعمتم ما طعمنا..
وسرنا معا في طريق واحد.. وعليه سنكمل المسير..
لسانكم صدوق.. وقلوبكم بيضاء بإيمانها..
ونحن توائمكم باللسان وبالقلب..
إذا مضيتم إلى صلواتكم.. تمتمت قلوبنا بالدعاء لكم..
وإذا عمرتم كنائسكم.. أحسسنا وكأن الملائكة تحوم فوق رؤوسنا تهفهف ببياضها وتنثر علينا بروقا متلألئة..
أما صاهركم نبينا ليجعل من ابنتكم «مارية القبطية» أما من أمهاتنا نحن المسلمين؟!
أفبعد ذلك من مزيد..
أفبعد تلك الوشيجة من وشيجة أخرى تدلل على الأخوة التي حاكت أرديتها تلك الأيدي الطاهرة..
اللعنة السوداء
إن القتلة لا دين لهم..
ولا شفاعة لهم..
ولا مكان ولا مكانة لهم عند الأطهار وعند المؤمنين..
أولئك منبوذون لأن أنفسهم قد انطوت على الشر ومن تنطوي على الشر نفسه لا دين له ولا عرش يظلله.
ولا حرمة له..
من يخرج بمنجل يحصد به أرواح الناس.. هو آثم في يده ولسانه وقلبه وفي كل خلجة ملعونة من خلجاته..
يعيش ملعونا ويموت ملعونا ويُبعث يوم الحشر على ما كان عليه من تلك اللعنة السوداء..
فاللهم جنّبنا الملعونين.. واجعل بيننا وبينهم سدا.. ولا تجعلهم من أهل ديننا ولا من أهل زماننا.. وبرئ اللهم ديننا وأرضنا من أولئك الملاعين الذين كفروا بآياتك وأبادوا خلقك طمعا في دنيا يصيبون منها هزالا..
الدمع المحترق
أحمل كل حرف مكتوب هنا كتبته بدمعي وبقلبي المحروق.. دعاء بالرحمة لأولئك الأبرار الذين قضوا في فاجعة «كنيسة القديسين»..
شآبيب من رحمة ربي استنزلها عليهم في قبورهم.. ولتهدأ أرواحهم وترقد بسلام.. وإن الله لمنتقم لهم ممن حصد أرواحهم البريئة ويتّم عيالهم ورمّل نساءهم وثكل أمهاتهم..
فويل وويل لمن كان الله خصمه.. وليبشر بنار الدنيا قبل سعير الآخرة.
وعلى أرواح الشهداء السلام.
[email protected]