من الصعب ان لم يكن من المستحيل ترشيد العقلية الجمعية الفوضوية أو تهدئتها وأخذها صوب الصواب وما يجب أن تصير عليه كي تكون بناءة.
في المشهد السياسي الحالي المسيطر، وأعني به المشهد المصري ما يؤكد هذه الحقيقة حول ما عنيته عن العقلية الفوضوية، فان هذا المشهد يجعلنا في حيرة حول ما يجري في مصر، وهل هو ثورة؟ أم هو فوضى؟ أم هو مجرد حركة احتجاجية ذات أغراض محدودة تنتهي بانتهائها؟
وما ضواغط ما حدث؟ هل الحالة الاقتصادية والمعيشية هي التي ضغطت؟ أم هي ضغوطات سياسية؟ أم هي انسانية واجتماعية؟
أم هي مجتمعة؟ أم أن لا علاقة لها بكل ذلك وما هي الا محاكاة للتجربة التونسية التي لم تنسحب بعد من المشهد؟
الحقيقة التي نعرفها جميعا أن حكم مصر بعد انقلاب 1952 مر بسلسلة من أشكال الحكم المأساوية والديكتاتورية، بلغت مداها أيام جمال عبدالناصر الذي عرفت مصر في ظله الحكم الفردي والدولة البوليسية القمعية واحتكار السلطة وخلق مراكز قوى ذات نفوذ ينازع الدولة وينزع منها بعض صلاحياتها. وجهاز المخابرات القوي والقمعي أسوأ دليل على ذلك وهو الذي سيطر على مفاصل الدولة بل انه في بعض التفاصيل كان أقوى من الدولة برمتها.
وعلى صورة معاكسة لذلك كانت مصر أيام الرئيس حسني مبارك، حيث أطلقت الحريات وكان هناك هامش ملحوظ من الحرية واطلاق حرية العمل السياسي وتكوين الاحزاب وعودة الاعلام الاهلي والتحرير الجزئي للاقتصاد والتوسع في انشاء المدن والبنى التحتية وتطوير المرافق والخدمات واستعادة سيناء التي احتلت أيام عبدالناصر وتعميرها لتشكل رقما مهما في الدخل القومي، وربما تغيير وجه مصر السياسي وبناء علاقاتها مع دول العالم وبالذات مع الدول العربية على مبادئ الاحترام وتبادل المصالح والابتعاد عن الغوغائية السياسية، هو أهم ما يميز عهد الرئيس حسني مبارك، بعدما كانت علاقات متوترة في عهد سلفه السادات، وكانت متعالية أيام عبدالناصر والذي لم تسلم دولة عربية واحدة من مؤامرة حاكها ضدها أو حاول تأليب شعبها وتخوين حكامها.
وهذا لا يعني التمام والكمال والمثالية في عهد الرئيس مبارك، ففيه تشكلت مراكز قوى مالية وسياسية، وفشا نوع من الفساد السياسي والمالي وطغت بعض القيادات في الحزب الحاكم واستمرأوا لعبة الاقصاء والتقريب بناء على المصالح الخاصة لا العامة.
ومع عدم التقليل أو التهوين ممن قادوا حركة الخامس والعشرين من يناير والتي أرى فيها شأنا داخليا مصريا بحتا لا يجوز لغير المصريين الاصفاف في أي من معسكريه فانني فقط أورد ملاحظة لاحظتها من مناصري تلك الحركة تتلخص في رفع البعض منهم صور الرئيس «جمال عبدالناصر» مما يثبت ويؤكد الخلل في العقلية الفوضوية التي من الصعب اقناعها بالإشكال الذي وقعت فيه فكيف يناوئ الرئيس مبارك من يناصر عبدالناصر؟
[email protected]