صالح الشايجي
ظن البعض وتوهم الآخرون واعتقد من اعتقد، أن «الديموقراطية» تعني الفوضى، وإلغاء مؤسسات البلاد كلها لتقتصر على مؤسسة «البرلمان» وأن من حق عضو البرلمان سجن الناس كلهم ليبقى هو فقط حرا يمارس سيادته وفوضاه كما شاء له الهوى والتقلب!
من تلك المؤسسات التي توهم أولئك البعض إلغاءها أو ضرورة إلغائها في ظل الديموقراطية، هي الحكومة لا كمؤسسة فقط بل كسلطة لها ضرورتها ودورها اللذان يبزان دور البرلمان المشكوك في قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة النظام بسبب تشكيلاته المتنوعة والمختلفة وبحسب العناصر التي تحتل مقاعده الخمسين.
هؤلاء نشأوا على تلك الفوضى وغياب القانون وضعف الحكومات المتعاقبة، فظنوا أن هذا هو الوضع الطبيعي، فلا سيادة في البلاد إلا للفوضى والتعدي والتجاوز والظلم وسلب الحقوق وإهدار فرص المستحقين وتضييع الكفاءات والاستحواذ على مقدرات البلاد في أيدي حفنة غاشمة من أعضاء مجلس الأمة واتباعهم وأشياعهم ومن والاهم وأحرق البخور في طريقهم ودق الطبول ونفخ المزامير في مواكبهم.
لذلك فإن ذلك البعض الواهم المستحلب ضروع «الديموقراطية» والمتربح من سوقها، يسوؤه اليوم أن تصحو الحكومة وترفع سيف القانون والعدالة، لتقتص ممن ظلم ولتسترجع ما اغتصب ظلما وعدوانا ولتعيد للقانون هيبته ولتخضع الجميع للقانون.
وليس من كبير إلا من آمن بالوطن والحق والعدل! والذين نشأوا في ظل الفوضى وتربوا على أنهم «الأعلون في الأرض» ولا راد لهم ولا مقتص من ظلمهم وغرورهم وعسفهم وجورهم، فهم يتباكون اليوم ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويحثون الرمل على رؤوسهم، لوعة وكمدا على ما أصابهم من صحوة الحكومة وما نالهم من سيف القانون الصارم البتار.
على الحكومة ألا تتراجع عن أي خطوة خطتها للأمام، وألا تضعف أمام المجلس القادم فتدخل في لعبة المصالح وشراء ذمم النواب بتسهيل التجاوزات لهم لتعود سيرتها الأولى وترجع الفوضى.
فالمتباكون اليوم - وما أكثرهم - على الحريات والدستور، هم أكثر الناس خرقا للدستور، أما عن «الحريات» فإنهم هم - لا غيرهم - أصحاب المشاريع والقوانين المقيدة للحريات لأنهم ينظرون للحريات والدستور والديموقراطية بعين مصلحتهم هم، أما الشعب فليذهب إلى الجحيم ما داموا هم في نعيم «الديموقراطية»!