صالح الشايجي
كتبت فيما كتبت عن غياب المهنية في القطاعات كافة، وبالذات في قطاع الاعلام، ولكن ثمة «زبد يذهب جفاء»، وثمة «ما ينفع الناس ويمكث في الأرض».
أما «الزبد» فهو كثير ومتوافر بقسط وافر لكل مشاهد أو قارئ أو مستمع، وذلك ليس بالمستغرب مادام «خبزنا» صار له الكل «خبازا»، بينما «الخباز» الحقيقي انزوى وقعد بعيدا محسورا مكلوما على مهنته التي ضيعتها الأيدي العابثة.
«محمد الوشيحي» لا أقول انه استثناء من تلك القاعدة الشائهة، لأنه - أساسا - لا ينتمي لها وليس له جذور ولا حتى قشور بها، بل هو صانع حقيقي لأضلاع الإعلام.
حين قرأت عنه قبل أن أعرفه، بهرني كاتب لم أسمع باسمه من قبل، ولد مكتمل النمو، لم يحبُ ولم يتعثر في مشيته ولم يداهمه حلم الرجال فيغدو رجلا، ولم تبزغ شعيرات فوق شفته العليا وتحت أنفه لتكبر تلك الشعيرات وتصير شاربا، بل هو هكذا ولد مكتمل النمو والنضوج.
مصادفة وأنا أقلب «الريموت كونترول» متنقلا بين الفضائيات، مررت بشاشة تلفزيون الكويت، فاستوقفني محاور لم أعهد مثله في دقة المحاورة واحترام الضيف واجهاده في الأسئلة والمعلومات التي يحملها المحاور عن ضيفه، دون التقليل من قيمته، اضطرني ذلك المحاور الفذ والجديد على فضائياتنا العربية، الى متابعته حتى الآخر، وكأنما تلميذ يتابع استاذه، وقد عرف من هو هذا «الاستاذ».
ايضا كان «الاستاذ» هو «محمد الوشيحي»!
الآن «الوشيحي» يتألق كما تتألق نجمات السماء كل ليلة على شاشة «الراي»، محاورا وثائقيا من وزن ثقيل، يعرف كيف يغرف من ضيفه لا ما يريده هو بل ما يريده المشاهد، وهذه أولى مقومات المقدم والمحاور الناجح.
لعله الوحيد بيننا ككتّاب الذي يعتمد التوثيق، والوثيقة - عنده - هي الناطقة وهي بطلة مقالته، يهاجم بحجة، ويعري دون خصومة، ويكشف دون عداوة، يبتسم في وجوه خصومه - وهم كثر - لأنه لا يكرههم، ولم يكرههم لذواتهم، ولكن الانحراف في المسيرة هو الفيصل وهو ما يدفع «الوشيحي» الى التسلح الوثائقي، ثم يبدأ يشبّ حطب الحقيقة.
لا أريد أن أصنف «الوشيحي» لانني اقل من ان اصنف احدا من منظور علمي، ولكنني أعبّر عما جاش بنفسي عن هذا الانسان او الاكتشاف المحرج.