صالح الشايجي
للموت مهابته وقدسيته وجلال الصمت وأخذ العبرة وتبصر الانسان في حاله، وانه يوما ما سيكون محل ذلك الملفوف بالموت والصمت والمودع تحت التراب.
ما اوحى لي استجلاب هذه الصورة للموت وجلاله وخشوعه، هو ما حدث في جنازة «ابراهيم شكري» وهو سياسي مصري توفي مؤخرا، حيث هتف المشيعون ضد «اسرائيل» داعين عليها بالموت والسقوط!
اين جلال الموت ورهبته وهيبته في مثل ذلك المشهد الصارخ الذي يجافي مهابة المناسبة؟
ثم ما علاقة «اسرائيل» بموت الفقيد؟ فلو ان اسرائيل - مثلا - هي التي اغتالته، لربما صح الدعاء عليها وتمني سقوطها! ولكن الرجل - رحمه الله - مات قضاء وقدرا، حتف انفه وفي بيته وبين اهله، وقد جاوز التسعين بسنتين!
اذن لماذا الدعاء على اسرائيل؟!
بالتأكيد انا هنا لا اقف مدافعا عن اسرائيل او انــني اطلب عدم الدعاء عليها، فإسرائيل او غيرها ان كانوا ظالمين فــلابد من الدعــاء علـــيهم، واقران الدعاء بالفعل وعدم الاكتفاء به! ولكن ليس هذا هو بيت القصيد بل ان القصيد كله والقصد كله، هو ان نتعامل مع اي مناسبة بما تستحقه وبما يليق بها، والا تكون «اسرائيل» بعبعا مخيفا لنا وبهذا الحجم المستشري الذي يجعلنا نرتبك ونرتعد، بحيث نخلط الامور ببعضها، اسودها بأبيضها، وحابلها بنابلها! هنا نكون - أو أولئك الذين استشرت في نفوسهم عداوة اسرائيل الى هذا الحد - معترفين لاسرائيل بالانتصار علينا لا عسكريا فقط، بل هي هزمتنا - أو هزمتهم - نفسيا! وان كانت الهزيمة العسكرية قد يعقبها انتصار يوما، فإن هزيمة النفس قاضية وأبدية.