صالح الشايجي
من حق الانسان ان يتخيل المستحيلات كلها، ويتعامل معها على انها واقع، وهذا - بالضبط - ما حدث معي، حيث اطلقت العنان لأتخيل ما شاء لي التخيل، ومازين لي شيطان الخيال!
فتخيلت مثلا ان نصحو يوما على توبة جماعية من مجلس الامة، يعتذر فيها عما ألحقه بالكويتيين وبلادهم من كوارث ونوازل ومصائب، ويعلن استعداده للعمل بالدستور ومواده! خيال، مجرد خيال!
وتخيلت مثلا ان حكومة دولة الكويت ستنتفض امام مجلس الامة وتستبدل بقلبها قلب اسد شجاع لا يخاف ولا يهاب! وانها ستمنح وزراءها ألسنة قادرة على النطق والدفاع والمحاججة، وكلما قال لهم نائب «با» قالوا له: «في عينك الوبا»! خيال، مجرد خيال!
تخيلت ايضا وايضا ان تتصالح «نورية» وزيرة التربية مع «رشا» وكيلة التعليم العالي! وان الوزيرة ذاتها ستملك قرارها وتقيل مدير جامعة الكويت! خيال، مجرد خيال!
وتخيلت كثيرا وكثيرا، لكنني لم اتخيل ان وزير عدل حكومة الكويت سيتحول الى محام عن رئيس السودان، ويقف ضد القانون الدولي!
هل تخيلتم معي؟ كيف ان الخيال من المستحيل ان يتحول الى حقيقة، بينما ما يعجز عنه الخيال ويقصر، قد يكون حقيقة ملموسة مسموعة مقروءة مرئية؟!
لقد نطق وزير عدل حكومة الكويت بخطاب مجلجل مزلزل، دفاعا عن رئيس السودان وهجوما على القانون الدولي!
تخيلوا وزيرا في حكومة الكويت يقف ضد القانون الدولي الذي بسببه وببنوده تحررت بلاده، والذي لولاه لكان الوزير الآن كاتب عرائض «عرضحالجي» عند باب محكمة البصرة، يصوغ شكاوى الارامل والمطلقات وبائعات «القيمر»!
ولا ادري هل نطق الوزير بلسانه وبما املاه عليه ضميره «العدلي» ام هو فيما نطق وقال واسهب واحتد واشتد ساعده، كان يمثل حكومته؟! الجوابان مصيبة، فإن كان يمثل حكومته فإنها داهية دهياء ومصيبة سوداء، ان تقف حكومة بأكملها ضد القانون الدولي ومناصرة لرئيس كان في يوم من الايام يخزن اسلحة عدوها ويفتح ابواب بلاده لصدام ليشحذ سكاكينه على ألسنة اهلها! اما ان كان الوزير يمثل نفسه وهو الوزير «المنتخب» - على ما اظن - فإنه يجوز لنا ان نسأله: هل كان من ضمن برنامجه الانتخابي الدفاع عن رئيس السودان والطعن في القانون الدولي؟! وهل ناخبوه وافقوه على ذلك؟
اذا كانت المستحيلات الاربعة لا تحدث ولا تتحقق، فإن الكويت تحقق الأربعين ألف مستحيل!