صالح الشايجي
ذلك وفائي، فأجزني أن أكتبه.
لا أتدثر بعباءة الشعر ولا استظل بخيمته، ولا يهبط عليّ وحيُُه يلقنني القول تلقينا! ولكنني استعذب شرب بحوره أو أغرف منها سمعا ونظرا.
كانت صباحات الكويت جميلة كلها، وأماسيّها مثلها تنافسها عرش الجمال.
كل صباح يولد يكون أجمل من أخيه الأكبر، وكل مساء يزداد جمالا على أمسه.
في تلك الصباحات الكويتية المحتشدة بالجمال، ومثلها أماسيّها، كان «خالد قطمة» شيئا من تلك الجمالات المتتالية المتوالدة من رحم أمسها.
كانت خارطة الكويت تُرسم آنذاك مع انبلاج فجر الاستقلال وحركة البناء والعمران وفتح الآفاق والطرق للكويتي أن يخوض غمار حياة جديدة حديثة لا حد لها ولا لحداثتها وجدتها وتنوعها، وكانت أهم معالم التنوير الصحافة التي كانت منصة الانطلاق للحياة الكويتية الجديدة، وكان «خالد قطمة» أحد الرابضين خلف مدفع الصحافة يطلقه لتسمع الآذان موعد الانطلاق إلى الدخول في العصر الحديث ملبسا وفكرا وموقفا.
ما كنا نستريب في الإنسان «الوافد» وما كنا نشك أو نحسد أو نحقد، أو نقتنص حقه ونمنعه من أن يكون حرا في بلادنا مثلما نحن فيها أحرار! أقول كنا أحرارا، ولم نقل له قل ولا تقل واعمل ولا تفعل أو امش هناك وتوقف هنا، بل كنا جميعا كويتيين ووافدين ننطلق بالأجنحة نفسها ونحلق فوق ما نريد ونعف عما لا تهفو إليه نفوسنا.
ذلك زمن كويتي أصيل، كان نقيا وكان كويتيا فيه تحتشد أنفاس آبائنا وأجدادنا، مازالت عالقة به رائحة البحر، ومازال دوي حداء الحدّاء يحدو جماله في صحراء مترامية يسكنها الفراغ وحده، يرن في آذاننا حينذاك.
في ذلك كله كان «خالد قطمة» ينقل قلمه من دوح إلى دوح ويغني ويطرب ويختار الفنن الذي يرسل منه غناءه إلى أسماعنا.
كان صانعا للصحافة، وكان قلما لا يكف يتدفق جمالا ورشاقة وعمقا وسلاسة! ينثر وكأنه يُشعر أو يبحر في بحور «الفراهيدي»! إنها «الدمشقية» التي أطرت وعبأت بالجمال كل قلم شحذ ريشته على حواف جبالها أوغمسها برحيق ياسمينها!
أنت في الموت يا «خالد» جسد تحت التراب، وروح مازالت تغني بيننا وستبقى!