صالح الشايجي
انصراف الناس الى الحديث والاهتمام بأمر واحد، هو هدر أكيد لطاقة المجتمع البناءة وتعطلها.
ان طغيان الشأن السياسي في البلاد على كل ما عداه، يعطل أوجه التنمية ويشل حركة المجتمع المدني الذي ان انصرف بعضه الى الشأن السياسي، فإن بعضه الأكثر والأهم يجب أن يستمر أداء دوره الاجتماعي البنّاء، ولا يتحول إلى بوق سياسي يردد ما يردده الآخرون، وينشغل بما ينشغل به الهامشيون والعاجزون في المجتمع!
تساوت الحالات عندنا، ففي حالة وجود مجلس الأمة وما يثيره من أزمات، نجد ان الناس كلهم منصرفون الى المجلس وأزماته، وينشغل بذلك الرأي العام بأجمعه والصحف ووسائل الإعلام وهي في بلادنا هموم ثقيلة في قلوب ضعيفة لا تحتمل أوزار الإعلام وصخبه! وفي حالة حل المجلس وفي فترة الاستعداد لانتخابات جديدة واقامة المضارب ونحر الأنعام حيث تكثر «الزكوات» و«الصداقات» وتتحول سود الأيادي الى بيضاء لا شية فيها، وتنجر الألسن في شجيرات واد غير ذي زرع، وتعلو الأصوات وتصقل الحناجر وتطير الأيدي ملوحة ذات اليمين وذات الشمال! في هذه الحالة ايضا نجد ان الناس كلهم ليس لهم من هم الا عن موسم الحصاد الانتخابي، ومن سينجح ومن سيهبط هبوطا اضطراريا في جب بئر سحيق!
المعلمة في مدرستها، والمهندس أمام خارطته، والطبيب في عيادته، والكاتب في صومعته والشاعر في وادي عبقريته، كلهم انصرفوا الى الانتخابات، وما يجري فيها وحولها وعلى هامشها، فلا تلك علّمت ولا ذاك هندس، ولا الطبيب داوى ولا الكاتب فكر ولا الشاعر نحت «حوليته» بل هم جميعا انخرطوا ـ اجباريا ـ في سلك تلك الانتخابات!
هذا الواقع المؤسف يشير الى خلل في فهم معنى الديموقراطية، حيث هي معطِّلة للتنمية في المجتمع وتخلي الناس عن القيام بأدوارهم، بينما هي ليست كذلك، فهي عامل مساعد في التنمية حين تكون في الطريق الصحيح وحين يفهمها الناس فهما صحيحا!