صالح الشايجي
السياسة ليست قصيدة شعر يتبادلها عاشقان تحت ظلال شجرة، وخرير الماء يمتزج بصوتيهما فيحلقان ملكين في سماء بلا آفاق!
بل إن السياسة، هجاء مرير وتصيّد وتصعيد وتأزيم، هي ميدان حرب بيضاء بلا أسلحة وبلا دماء!
هذا ما يجب أن تعرفه الحكومة المقبلة والتي ستتشكل في غضون أسبوعين لتواجه برلمانا جديدا سيكون أشد ضراوة من سابقه، وأحدّ لسانا وأثقب بصرا وربما أطول يدا! هذا ما يجب أن تعرفه الحكومة وتستعد له بكل مقومات الاستعداد لمعركة طاحنة، فإن كانت عظامها ليّنة وهشة، فقد تتفتت في أول جولة، وتبقى مجرد ذكرى لحكومة في المهد فصارت في اللحد!
إن الاعتقاد أو التمني بأن «المؤزمين» من أعضاء المجلس المنحل، سيسقطون لأن الشعب «وعى» وأدرك أسباب «التأزيم» وعرف «المؤزمين» فقرر الإيقاع بهم وإسقاطهم، هو هراء في هراء، ومن يستنتج مثل هذه النتيجة، فهو مثل العذراء التي تحقق أحلامها في العشق وهي على وسادة حزينة يملؤها دمعها الدافئ!
إن «المؤزمين» عائدون أكثر عددا وشراسة وفطنة، وذلك لسبب بسيط يتلخص في أن «المؤزمين» في عالم السياسة، هم ملحها وبهارها وفلفلها وسكّرها وبريقها ووهجها وتألقها! ولأن السياسة عمل فني استعراضي بامتياز و«عكاظي» أيضا، ينبهر فيه الناس بالأعلى قامة ومقاما وصوتا وعينا تتنقل بخفة بين هنا وهناك، ويدين تلوحان في الهواء بحركات مدروسة معبّرة!
ولم يكن الناس يتحلقون في سوق «عكاظ» الشعري، حول الشاعر الهائم النائم آكل الورد وناثر الياسمين، بل كانوا يلتفون حول الشاعر المزمجر الماحي الكرار في ساحة الوغى والذي أعجز الأفراس وأنهكها وصرع الأعداء بسيفه البتّار الحاصد الأرواح بلا عدد!
وما السياسة إلا سوق «عكاظ»، وما العمل البرلماني إلا مسرح ينجح فيه أكثر الممثلين إتقانا وامتلاكا لأدواته المسرحية!
إن هؤلاء الذين تسميهم الحكومة بـ «المؤزمين» هم ليسوا كذلك ولن يكونوا كذلك، لو أن الحكومة أدّت أدوارها بنجاح في تلك العروض التنافسية، وبالضرورة أن يكون العمل البرلماني «تأزيما» وهذا أمر بدهي، فمادام البرلمان مراقبا لأداء الحكومة ووصيّا عليها، أو بدرجة ترقى إلى الوصاية، فماذا نتوقع من الرقيب أن يفعل؟ هل يغمض عينيه ويطمس لسانه، وهو يرى أو يعتقد أن العابثة التي جاء يراقبها تعبث أو «تبربس»؟ أم أنه يمارس دوره ويحمي الطائشة من طيشها؟! هل يكون حينذاك «مؤزما»؟!
إذن فليكن بل لابد أن يكون «مؤزما»! ومبارك لـ «المؤزمين» نجاحهم!!