أدري أن الكثيرين لن يوافقوني على ما سوف أطلب وأتمنى وأرجو في هذا المقال المختصر، وهم ـ أولئك الكثيرون ـ جديرون بالاحترام وتقدير معارضتهم وتثمين ما يرون، ربما أكثر من طلبي ورجائي.
كانت مجلة «العربي» سفيرة للكويت قبل أن تعرف الكويت السفراء وتفتح السفارات في دول المشرق العربي والمغرب العربي، وأذكر أنني قد قدمت لتلفزيون الكويت برنامجا قبل خمس عشرة سنة كان خاصا برسل الكويت الثقافية، وكانت مجلة العربي على رأسها فيما شهد به مثقفو البلاد العربية مشرقيين ومغربيين، وقالوا فيها ومدحوا وما قدحوا، حتى أنها ـ حسب شهاداتهم ـ كانت أستاذتهم ومدرستهم وجامعتهم وعرفوا من خلالها ما لم يعرفوه على مقاعدهم الدراسية المتعددة المراحل.
ذاك كان زمنا له من السنين ما يقارب الستين عاما حين كانت الدنيا غير الدنيا والأرض غير الأرض والناس غير الناس، وكل شيء غير كل شيء في زماننا هذا.
لم تكن آنذاك وسائل الإعلام وأجهزة التواصل متاحة حتى التلفزيونات ما كانت معروفة في أغلب دول العرب ومنها بلادنا الكويت، لذلك قامت مجلة العربي بدور تلك الأجهزة جميعا، وكانت الأيادي التي لم تحجزها مسبقا تتخطف ما بقي من نسخها.
ومنذ عقدين من الزمان وربما أكثر شحت مساحة النور التي كانت مجلة العربي تنيرها وقصرت الأيدي عن تخطفها وما عاد الشوق الشهري إليها مقلقا أصحابه.
كانت سحابة هتونا أمطرت وسقت وروت وأينعت أراضي جدباء وأثمرت وأنضجت عقولا، وهي لذلك مشكورة ولها الامتنان الكثير.
أما وقد تغيرت الأحوال وتعددت وسائل توصيل المعرفة وصرنا في زمن الإنترنت الذي يتيح لك معرفة أخبار الأرض منذ بدئها وكذلك الكواكب السيارة جميعها، فان مجلة العربي انحسر دورها ولم تنحسر هي ككنز للمعرفة، ولكن صيادي الكنوز والضاربين أعماق الأرض بحثا عنها هم الذين صدوا عنها بحكم تعدد الكنوز وسهولة توافرها.
ومادام الأمر على هذه الشاكلة قد بات حقيقة لا تنكر، فإن الواجب يحتم علينا واحتراما لمجلة العربي إيقاف صدورها حتى لا تضحي كتلك الحسناء المعشوقة الكثيرة العشاق، فلما كبرت وتغضن جلدها وشاخت انصرف عنها عشاقها وباتوا يتحسرون عليها وعلى أيام شبابها وصباها وحسنها الأخاذ.
لا بد من إطلاق رصاصة الرحمة على مجلة العربي.
أقولها وقلبي يوجعني وعيناي تكادان تذرفان.
فلنرحم عزيزة قوم قبل أن تذل.
[email protected]