صالح الشايجي
إذا أردت أن تحصد السعادة فأعط بذورها للآخرين
بنت الظلام
السائرون في حقول اللغة، وكأنهم يمشون في حقول ألغام يخشون انفجارها لو حادوا عن طريقها المستقيم، يحسبون اللغة كائنا زجاجيا سريع التشظي والانكسار والانشطار، او كريستالا غالي الثمن غير قادرين على دفع فاتورته لو كسروه او شطروه او حتى خدشوه.
اللغة غير ذلك يا إخوة اللغة. بعثروها واكسروها وشظّوها واشطروها ما استطعتم فلا تخافوا ولا تخشوا.
إن الذين يخافون على اللغة ومنها، خشية جرحها، أو إسالة دمها أو دمعها، ما فهموا ماذا تعني اللغة.
والذين يعتقدون أن اللغة تعيش في صناديق فولاذية مغلقة وعليها حراس شاهرون أسلحتهم في وجه من يقترب من أسوارها او يحاول اللعب في مكنوناتها وقواعدها الساكنة، هم لا يدركون ان اللغة من طبيعتها التفتت والتشظي والانشطار حتى تعيش وتتنفس وتتوارثها الألسنة وتعتلي سنامها الأجيال.
اللغة ملكية عامة، اسهمها موزعة بين الألسنة الناطقة والأقلام الكاتبة والعيون القارئة وليس عليها حراس مدججون بالسيوف، ولا هي بنت سلطان ولا تنام في صناديق مغلقة، بل تنام في الحدائق العامة.
اللغة زهرة يتهاداها العشاق، وماء سبيل للسابلة والعابرين والعطاشى المتكسرة ألسنتهم من عطش اللهاث وراء طلاسمها وألغازها.
ليس عيبا ان تكون اللغة كائنا زجاجيا، بل هي كذلك، ولكن العيب ان كينونتها الزجاجية تلجمنا وتخيفنا فنمتنع عن اللعب بها وفيها خشية كسرها وانشطارها.
اللغة تعيش لأنها كائن متفجر، كل شظية منها تولّد شظية اخرى تحمل وتلد ويعيش أولادها في كل لسان على استعداد لإيوائهم.
اللغة لا تلبس عمائم مقدسة.. أنتم تتوهمون ذلك.
ولا هي بنت سلطان.. بل هي بنت سبيل.
وربما بنت النصف المظلم من اليوم.
الله.. موجود في كل عين لا تراه
«حام» و«سام»
أصبح الزواج في الوقت الحالي كثير التعقيد، فتشابكاته وارتباطاته تكاد تحيط بالكرة الأرضية بجهاتها الأصلية الأربع، وكذلك تفرعاتها.
ولقد سمعت من أحدهم تفاصيل زواجه والطرق التي اتبعها والخرائط الجغرافية والدروب التي سارت عليها عملية زواجه، فأيقنت ان تحلية مياه المحيطات وحل مشكلة العراق وتنازل «أحمدي نجاد» اسهل كثيرا من الارتباط الشرعي وإنشاء «بيت سعيد».
يقول المتحدث الرسمي باسم المتزوجين الجدد، إنه حينما قرر الارتباط بشريكة العمر السعيد، بدأ بإرسال اللجان الى من اختارها قلبه لتكون شريكة حياته، لجنة في أعقاب لجنة.
اللجنة الأولى مختصة بالكشف العام على العروس: شكلها العام، عمرها، دراستها، اهلها ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي ومستوى منزلهم والمنطقة التي يسكنون فيها وجيرانهم واقاربهم وهكذا دخولا في تفاصيل دقيقة.
ذهبت اللجنة المكونة من بعض قريباته، برئاسة والدته وعضوية خالاته السبع وكبيرات العائلة، وكان تقرير اللجنة لصالح الفتاة.
ثم دقّت باب البنت اللجنة الثانية، والمكونة من بنات العائلة، واختصاص هذه اللجنة الفحص الشكلي على البنت، شعرها، قوامها، لونها، وزنها، وجاء تقرير اللجنة ايضا لصالح العروس.
ثم اللجنة الثالثة والمختصة بالكشف الطبي على الفتاة، وجاء التقرير ايجابيا، حيث إن اللجنة الطبية اثبتت ان الفتاة خالية من الامراض السارية والمعدية، فلم تصب بأي نوع من انواع الانفلونزا، سواء انفلونزا الطيور او الخنازير او غيرها وكذلك فهي محصنة ضد الانفلونزات القادمة، مثل انفلونزا الكلاب وانفلونزا القطط والحمير والخيول وحتى انفلونزا السيارات.
اما اللجنة الأخيرة فمهمتها آثارية وتاريخية واسمها لجنة «الانساب» للكشف على اصول البنت وما اذا كانت «حاميّة» أم «ساميّة» اي انها تنتمي الى «حام» أو «سام» ابني سيدنا نوح، واثبتت حفريات اللجنة الآثارية ان البنت تنتمي الى «سام»!
بعد ذلك وبناء على معطيات اللجان المشكلة تمت الموافقة على المصاهرة لينتقل الامر بعد ذلك الى تفاصيل حفل الزفاف، ومن هم مطربو الحفل السعيد، وتم الاتصال اولا بـ «نانسي عجرم» فاعتذرت بسبب تعثر التشكيل الحكومي اللبناني، واتصلوا بـ «إليسا» فاعتذرت احتجاجا على عدم توزير صهر الجنرال، وكذلك اعتذرت «هيفاء وهبي» بسبب خضوعها لعملية تركيب رموش صناعية طويلة المدى!
بعد ذلك اجتمعت اللجان الخاصة بالحفل، وهي لجان اخرى لا علاقة لها بلجان الفحص الفني والتاريخي، وقررت اقامة الحفل في صحراء «نيڤادا» ونصبوا خيمة غير قابلة للاحتراق ولا الاختراق ووجهوا رقاع الدعوة الى كبار الشخصيات وعلى رأسهم «هنري كيسنجر» و«مارغريت تاتشر» ووزير الدفاع الهندي ووزير الزراعة في «غواتيمالا» ومدير الاطفاء في ولاية «كوينز لاند الاسترالية» - تحسبا للظروف - ود.محمد البرادعي، وذلك للتأكد من خلو مكان الحفل من أي آثار نووية.
ولما تعذر على لجان الحفل اقناع الفنانات المذكورات بإحياء الحفل، فإنه قد جرى التفاوض مع فرقة «الهبان»! وتشير المعلومات الاولية الى احتمال موافقة الفرقة على احياء الحفل، اذا ما تمت الموافقة على شروطها، والتي تتلخص في توفير «جدر باجيلا» و«جدر نخي» و«آش» و«قدو»!
ومازالت المفاوضات جارية، ويبدو أنها تميل إلى الانفراج، وقد يقام الحفل، قبل أن تتشكل الحكومة اللبنانية الجديدة وتزامنا مع استقالة الحكومة الكويتية!
هوى قيس ليلى
وهوت ليلى بقيس
خاتمة الأحزان
كلما حاولنا الهروب من أحزان الأرض، داهمتنا في مقتل الفرح.
يموت الفرح سريعا ويستبد بقلوبنا الحزن، وتمطر العين تسقيه بدموعها فيطيب له المقام ويطنب خيامه ويرعى في مراعي الأرواح يأكل اخضرها ويترك يابسها موتا اصفر.
يورّثنا الاصفرار ويأخذ من ارواحنا اخضرها كله.
الأقربون هم الجحيم.. هم بثّاثو السم في الأرواح الخضراء.. هم الحاصدون لاخضرارها والمخلفون في زواياها الموت الأصفر.
الأقصون ـ نعرفهم أو لا نعرفهم ـ هم ارقام تتداولها الازمنة تخزنها في ذاكرتها وتبثها على الارض، لا يحملون الينا الموت الاصفر ولا يبثون الاحزان في صدورنا، كما يفعل الاقربون.
نداوي احزاننا بتكرارها واجترارها.. تتفتت ويمحوها الزمن، ثم تعود اكبر مما كانت، فنحاول اطفاءها بإيقادها في صدور الاقربين.
نتشاطر الاحزان وكأنها لقمة فرح نسد بها جوعنا الابدي الى فرح فلا تشبعنا الا بحزن يجر احزانا.
نعيش حياتنا حزانى.. وفي الموت ـ فقط ـ نهاية الأحزان.
ألسنا نقول عند الموت «جعلها الله خاتمة الأحزان»؟!
أنا في نعيم اسمه أنتِ..
وأنتِ في جحيم اسمه أنا..
سجن الحرية
نساء السودان قوارير بلورية داكنة لا تشف عما بداخلها، تكتم تفاصيلها ولا تجود بها.
شذّت عن ذلك الجمع النسوي امرأة اسمها «لبنى الحسين».
«لبنى» شغلت العالم ببنطالها، لا لأنها نزعته، بل لأنها اصرت على ارتدائه.
تحولت فجأة الى علم في رأسه نار، تحدث بها الشرق والغرب، ودارت صورها الكون كله كما يدور المكوك الفضائي، وطافت على العيون كلها.. كلها بلا استثناء الا عيون الذين يرون في صورة المرأة عورة تعور العيون التي تراها. ولأنها عورة فلا تستحق النظر إليها الا بعين عوراء.
حضرت «لبنى» من الغائب المجهول الى الحاضر المعلوم.
لم تركب فرسا طار بها من المجهول الى المعلوم.. ولكن هكذا شاء لها بنطالها.
قالوا لها: انزعي بنطالك فأبت!
لم يقل لها ذلك مغتصبون يتربصون لها في ظلام الليل السوداني، ولكن من قال ذلك هم قضاة المحكمة!
قالوا لها نحبسك ونزج بك في الظلام وفي دهياء الليل.
قالت: سجنكم خير من حريتكم التي تدوس كرامتي وتسلبني حريتي الحقيقية.
دخلت «لبنى» السجن تحمل شمسها وقلبا لا يرتعد وجسدا لا يرتجف.. تنام على وسادة حريتها في السجن.. خير لها من النوم على اشواك الاستسلام في بيتها.
«لبنى» لم تستسلم ولم تخفض جناح الخوف ولم تركب السهل.
الحرية لها ثمن.. والكرامة ثمنها اكبر.
ما أهون الثمن اذا كان السجن هو الثمن!
وما اصعب الاستسلام لمن جعل الحرية طريقه والكرامة هدفه!
في صفحة النساء امرأة اسمها «لبنى الحسين» عرفت كيف تهزم الخوف، وكيف تجعل السجن بابا للحرية.
ما أكثر العبيد خارج السجون، وما اكثر الاحرار داخلها!