غياب الهدف يجعل السعي إليه عبثا، لأنه سعيٌ إلى لا شيء.
من عمروا ميدان التحرير في مصر في يناير 2011 ونصبوا فيه الخيام واستوطنوه لأيّام، اتفقوا جميعهم على رحيل الرئيس حسني مبارك وإسقاط النظام.
فهل هذا الهدف المزدوج كان مطلبا حقيقيا لدى أولئك الثوار جميعا؟
أفهم أن المطالبة برحيل الرئيس قد تكون عقلانية، لأنّ الرئيس فرد، سهل أن يحل محله فرد آخر، ولكن المطالبة بإسقاط النظام هل كانت عقلانية أو هل كانت مطالبة حقيقية تعتمل في نفوس الثوار؟
ما أثار لدي هذه التساؤلات والشكوك، هو مشاهدتي لبعض محتلي الميدان، وهم يرفعون صور جمال عبدالناصر!
وهذا يعني أن المطالبين بإسقاط النظام يعظمون من شأن مؤسس هذا النظام الذي يطالبون بإسقاطه!
لأن حسني مبارك هو وريث السادات والسادات هو وريث عبدالناصر.
وعبدالناصر هو مؤسس النظام وليس مبارك.
غياب الهدف لدى أولئك الثوار هو الذي أفرز هذه الصورة العبثية، فهم يحملون الـ «لا» والـ «نعم» في لافتة واحدة، والقبول والرفض في الوقت ذاته!
إذن هم لا يريدون إسقاط النظام بدليل رفعهم لصورة عبدالناصر مؤسس النظام وكأنهم بذلك يستعيدونه وينصبونه رئيسا بدلا من الرئيس الذي يطالبون برحيله.
والرؤية الحيادية لهذه الصورة الضبابية الغائمة، تدلنا على أن رئاسة مبارك لمصر خير من رئاسة عبدالناصر لها ـ ولا نتحدّث هنا عن الأشخاص ـ وذلك من متابعة نتائج حكم الرئيسين، فرغم بعض ما يذكر لعبدالناصر من إنجازات كتأميم قناة السويس وبناء السد العالي والإصلاح الزراعي والتأميم، فإن للبعض رؤيتهم السلبية لمثل هذه الإنجازات، ويضيفونها لسلبيات أخرى يرونها في عبدالناصر مثل تفرده بالحكم وحل الأحزاب والقضاء على الديموقراطية التي كانت قائمة أيام الملكية وهزيمته في بورسعيد وانفصال الوحدة مع سورية وإخفاقاته في حرب اليمن وهزيمته واحتلال سيناء في 1967.
بينما في عهد مبارك ازدهر كل شيء في مصر وتحررت سيناء مع وجود ديموقراطية نسبية وخفت كثيرا القبضة البوليسية التي كانت تكتم أنفاس المصريّين أيام عبدالناصر.
أمّا الفساد الذي شاب عهد مبارك ـ حسب ما يرى الثوار ـ فإن عهد عبدالناصر لم يكن يخلو من فساد تمثل في تقديم أهل الثقة من العسكر على أهل الكفاءة، فتراجعت مصر كثيرا في عهده.
[email protected]