لم يسعدني الوقت بزمالته الإذاعية في إذاعة الكويت أواسط الستينيات من القرن العشرين، فقد غادر الكويت التي عمل في إذاعتها لمدة عام قبل أن ألتحق أنا بها بعد مغادرته بمدة قصيرة.
إنه الراحـل يوم الجمعة «فاروق شوشة».
شاعر وإذاعيّ كبير ومحاور فذّ في البرامج الأدبية والثقافية، حاور كبار المثقفين والأدباء والشعراء وأغنى المكتبة الإذاعية والتلفزيونية بالكثير والكثير من تلك البرامج التي تصلح أن تكون مراجع عالية القيمة.
وإن لم أكن قد زاملته فإني صادقته واستمرت بيننا اللقاءات وتعددت، فكنت في كل لقاء أحس بأنني أسبح في نهر المعرفة، بل أرشف من عذوبته، فقد كان طيب المعشر وحلو الحديث وغامرا بما يملك من رقة الطبع وكرم اليد والأخلاق.
رغم أنه عاش في الكويت عاما واحدا، فإنه عاشها بروحه بقية حياته، وبقي على تواصل معها واتصال بها بقية عمره.
فوجئت حين قابلته أول مرة بمعرفته لي وباسمي وبما لدي من نشاط إذاعي، وهو الذي كما قلت لم تجمعني به زمــالة ورفقة عمل ولم نتقاسم مايكروفون الإذاعة في زمن واحد، فقد ظلّ حتى بعد مغادرته الكويت على اتصال بإذاعتها كمستمع وراصد لها ولكل جديد فيــها، وله فيها أصدقاء كثر، وثّق عرى صـداقتهم ولم يفصمها، فهو من ذلك النوع مــن الناس الذين يقيمون للصداقة منزلة مثالية ويعلون في بنائها ويحمون أسوارها.
كانت لغته فصحى على الدوام يتكلم بها وكأنه يتكلم عامّيته، ولم يكن متكلفا حين يتحدثها، بل سارت على لسانه وجرت مجرى طبيعيا، ولا يلاحظ من يتكلم معه انه يتكلم لغة مغايرة، لأن فصحاه هي عاميته وعاميته هي فصحاه.
فاروق شوشة كان شاعرا متزنا، ربّما لم يكن شعره جماهيريا ولا مطربا، ولكنه شعر ذو وزن فكري وفلسفي، وما كان حريصا أن يُلهبَ أكف سامعي شعره تصفيقا، بل كان كمن يتلو صلوات حين يقرأ شعره، لتهبط السكينة على نفوس سامعيه.
وغاص في اللغة العربية بالغا جذورها وجائلا بين خمائلها وجمائلها ووعرها ووحشيّها، فأخرج برنامجه الشهير «لغتنا الجميلة»، وأنتج من ذلك المخزون كتابه «أجمل 20 قصيدة حب».
رحلت يا «فاروق» وتركت لنا كلّك، صوتَك الهامس وابتسامتك الصافية، وكلّ طيّب نتذكّره حين نذكرك.
[email protected]