هل الفن رسالة ذات أهداف إرشادية تثقيفية تنويرية، أم أنه مجرد نشاط عبثي لا يحمل حتى حرفا واحدا من رسالة ولا له ظل حيث يمشي وحيث يكون،
أو أنه كما يرى البعض من المغالين والمتزمتين والمتشددين، خطر يحمل في أحشائه كل الأضرار والمفاسد والانحلال؟
حينما نتحدث عن الفن فإننا نتحدث عن كل ما يبدعه الإنسان وليس حكرا على الموسيقى والغناء والتمثيل والرسم والنحت وما يندرج تحت هذه الأنشطة.
ويرى البعض أن الفن يشمل الهندسة والتصميم والخياطة والزراعة والطهو وما إلى ذلك من بعض الأنشطة التي تقوم عليها حياة الإنسان وتدخل ضمن احتياجاته اليومية.
ولكن الناس استقروا على حصر الفن في كل ما يتصل بالغناء والتمثيل والرقص والرسم والنحت، وهذا هو موضع الخلاف بين فئات من الناس، بين فئة ترى ضرورته للبشرية، وفئة تنظر له نظرة سطحية غير متفاعلة، وفئة ترى حرمته وتقلل من شأن العامل في حقله.
ثمة حقيقة لا نركز عليها كثيرا وربما لا نعترف بها، وهي أن وجود الشيء في حياة الإنسان بصورة معتادة، يألفه إلى درجة أنه لا يحس بوجوده، والفن في حياتنا ولأننا تعودنا عليه ولأنه يقود كثيرا من سلوكياتنا وتصرفاتنا ويساهم في صقل نفوسنا والسمو بها إلى درجات قد لا تبلغها دون المؤثر الفني، فنحن لا نحس بتأثيره الإيجابي في حياتنا ولا ندرك ما يفعل في نفوسنا، إلا لو فقدناه وغاب عن حياتنا وسحب وجوده اليومي في حياتنا.
نستطيع أن نستشف ذلك استشفافا صادقا، من خلال من نرى ونعرف من الناس من الذين يحرمون الفن وينظرون إليه بدونية وازدراء، فلا يسمعون موسيقى ولا غناء ولا يشاهدون مسرحا ولا فيلما ولا رقصا ولا يزينون جدران بيوتهم برسومات جميلة، فنجد فيهم غلظة ووحشية وعبوسا ونفورا من الحياة، ويقيمون بينهم وبين الآخرين وبين الحياة أيضا حواجز وأسوارا فولاذية. وهم إلى ذلك دائمو التوتر سريعو الغضب وكثيرو الوساوس والشكوك.
ولقد التفتت الدول إلى هذا الدور المهم وغير المنظور للفن فتولت رعايته وأنشأت له المؤسسات وقامت بتشجيع الفنانين وتكريمهم وجعلهم من صفوة المجتمع.
[email protected]