-
رقبة الشاعر أعلى جسده ثمنهـا قصيــدة طنانــة رنانة.. تموت القصيدة ويمحوها الزمان وتبقى الرقبة في مكانها
-
تحس بعض الإناث أن الأنوثة داء يجب التخلص منه سعيا إلى ولوج عالم الذكورة دون دق بابه واستئـــذان ساكـنـيــه!
لا تحاول عد نجوم السماء..
ولا عد أخطائك
قافية السيف
لست الذي قال: «ذهب الفرس.. وجاء العرس»..
ولست القائل: «لم يقل رب اسماعيل خذ دمه لكن فداه.. ألا تفديه يا رجل»..
لست من أولئك القوالين الذين يرصعون الكلام على صدر «القائد الضرورة» والذي..
«هو التوأم المنتقى للفرات وتحتار أيهما أعذب»..
حين يتدانى النهر.. وينكمش «الفرات» ليضحي توأما أقل عذوبة من «المهيب»..
فلا شك أن الشاعر القوال، لم ينطق عن نفاق، ولم يقل ذلك عن تزلف..
بقدر ما قاله عن خوف من «سيف السلطان» المسلول البتار الذي ما استطاع الشاعر إحصاء عدد الرقاب التي حزها فتدحرجت أمام عينيه.
إن رقبة الشاعر أعلى جسده، تستحق أن يكون ثمنها قصيدة طنانة رنانة يقولها الشاعر في السلطان..
تموت القصيدة ويمحوها الزمان.. ولكن الرقبة تبقى في مكانها..
وشتان ما بين سلطان السيف.. وسلطان الرحمة..
الحقيقة.. خطأ شائع
إناث الإنس
إناث الكتابة أبشع من ذكورها.. وأكثر فحولة وخشونة وصلفا..
نسين أنهن وجه الدنيا الجميل والمشع، وأنهن ثغر الحياة الباسم، فرُحنَ يلهبن ظهر الكلمات بسوط من حديد ذي صرير..
ما تكاد ترى الأنثى حاملة سوط الكتابة، حتى تبتئس، وتكتئب، وتدوخ..
أما إن قدّر لك أن تقرأ ما خطه سوطها على ظهر الصفحة، فإنك معرض للهلاك السريع.. وإن لم يسعفك الموت الراكض، فستسعى إليه بإرادتك، كاتبا في وصيتك: «قتلني سوط امرأة لن أدل عليها، ولن أعترف عليها، وإن أقررتُ بجريمتها»!
ستكون نبيلا حين تفعل ذلك، لا حبا لهذه المرأة أو خوفا عليها، بل ستفعل ذلك النبل الرجولي من باب «الرفق بالقوارير»..
ولكن.. من قال ان أولئك الإناث الخشنات المسننات المدججات بأسلحة الموت والذكورة «قوارير» يجب الرفق بهن...؟!
تحس بعض إناث الإنس، أن الأنوثة داء يجب التخلص منه، سعيا إلى ولوج عالم الذكورة، دون دق بابه واستئذان ساكنيه.
يسعين إلى التغلب على الطبيعة التي جاءت بهن على شكل إناث لهن أدوار محددة معروفة..
يعتبرن الأنوثة عارا لحق بهن، وماء بجانب نار، ووردة خبأها الشوك، وجدولا رقراقا صافيا! وتلك صفات الضعفاء والواهنين والمرقرقة عظامهم، والمغلولة أيديهم، والمجدوعة أنوفهم، والمطفأة عيونهم..
فيا للعار.. يا للعار...
يرفضن «نون النسوة» و«تاء التأنيث» و«جمع المؤنث السالم» أينما وردت.. يقلبن قواعد اللغة، وينتهكن أستار المعلقات، ويثرن على كل من ناصبهن «الأنوثة»..
مساحة البشاعة الواسعة في صفحاتنا المكتوبة، والتي يحتلها كل صباح البلّاسون وذوو القرون المعلقة والنطاحون وحاملو الكباريت وصبابو الزيت ومشعلو الحرائق، أغرت بنات حواء، أو من كن من بناتها، بأن يخشوشنّ لأن «النعم لا تدوم» للبنات، فتسربلن بأسمال الرجولة البالية، وملأن رؤوسهن بالحبر المسمم، ورحن يبطحن كلماتهن في تلك المساحة البشعة ليزدنها بشاعة.
هل لأحدكم أن يتخيل امرأة تتسلق ظهر «نجاد» بعنفه ودمويته وشريان الدم النسوي السائل من بين أصابعه لتعضده وتجفف عرقه وتعينه على البطش ببنات جنسها؟ أو أن تصلي امرأة وراء بن لادن وتدعو له بطول العمر، حتى يقصف عمر من لم يتسنّ له قصفه حتى الساعة؟ أو أن تنوح امرأة على الحوثيين وتطالب بالسماح لهم بتكبير ساحة الموت؟!
نساء يتشحن بالموت الأسود، وبالسواد القاتل لبياض الأنوثة..
لقد تخلين عن عرش الجمال الذي لا تهزه رياح القارات ولا عواصف المحيطات ولا أعاصير البهلوانات، ليتربعن على عرش الذكورة، مفتخرات بما أنجزن..
نساء.. تبشّعن حتى غدون كالعراجين القديمة، لا تمرَ فيها، ولا خضراء غصونها، ولا باسقات جذوعها..
ما أمَرّه من زمن! وما أبشعه!.. تبادلت فيه الليالي والأيام مواقيتها وأدوارها، وصرنا نرى الليل يقوم بدور النهار، والنهار فيه يتلبس السواد الليلي..
يا نساء الكتابة.. أجثو على ركبتيّ أتوسل لكُنَّ.. عدن إلى أنوثتكن، ارسمن بقلم الشفاه الأحمر، لون الحياة بالأنوثة، ودعن عنكن مراكب الخشونة.. عالم الرجال موبوء بهم فلا تزدنه وباء.
أخاف أن أدوس الأرض..
فتشكوني بتهمة إهانتها..
الشبيه
ارتبكت.. ليس عيبا أن أرتبك.. ليس عيبا أن أعترف بالارتباك..
تلعثمت.. ليس عيبا أن أتلعثم.. أو أعترف باللعثمة..
ارتجفت.. أيضا ليس عيبا..
دخل عليّ ـ فجأة ـ ذلك الرجل المهيب..
أعرفه.. أرى صوره كثيرا.. يستقبل.. يصافح.. يصرّح.. يخطب.. يقرر.. يمشي في جلجلة.. يحيط به الصحافيون والكاميرات أينما يمضي.. وحيث يكون، يكون حدث وصخب وأقدام تدك الأرض..
أربكني.. لعثمني.. جعلني، حين رؤيته يدخل عليّ، أرتجف..
كان وحيدا.. كيف يكون وحيدا؟!
لماذا جاءني؟ ماذا يريد مني؟ ما الذي دفعه إلى أن يقتحم عليّ عالمي المعزول؟!
فأنا لست من طبقته.. ولست في دائرة اهتماماته، ولست حامل كاميرا لتصويره، أو لتسجيل الحدث..
ماذا يريد مني هذا الرجل المجلجل..
دنا.. اقترب.. بات على مسافة مصافحة..
مد يده مصافحا..
يدي المرتجفة امتدت ليده الواثقة..
ابتسم..
شفتاي ترتجفان.. أسناني تصطك.. نسيت التراكيب اللغوية لجملة الترحيب..
جلس..
بقيت أنا واقفا..
دعاني للجلوس..
لم ألبِّ طلبه.. ليس عصيانا مني، بل لعدم قدرتي على الجلوس..
أخذ يطمئنني، ويبث الراحة في نفسي، وينزع عني ما رآه عليّ من ارتباك ولعثمة ورجفة..
باءت محاولاته بالفشل، فمازلت في ربكتي وارتجافي وتلعثمي..
لما يئس من طمأنتي وإعادتي إلى حالتي الطبيعية.. أخذ ورقة وكتب عليها ما يريد وطواها وأعطاني إياها.. وخرج..
وبعدما تأكدت أنه خرج.. وتيقنت من ذلك.. عدت إلى هدوئي وإلى طبيعتي، وتوقف ارتباكي وارتجافي ولعثمتي..
وأخذت الورقة التي كتبها، لأقرأ ما كتبه..
فقرأت.. «أنا لست الشخص الذي تعتقده، أنا شبيهه، وجئت أشكو إليك ما يسببه لي هذا التشابه من مشاكل»!
الكذبة البيضاء..
باطنها أسود
الخيال.. صناعة أخرى للحياة
هل يجف نهر الكلمات؟
هل تغور الكلمات تحت مياه النهر، ولا يجدها صيادها، فيسحب سنارته ويحمل زوادته الخاوية، خائبا قافلا منكسرا مهموما مكدودا، بعدما خذلته الكلمات الغائرة تحت المياه؟
كلمات النهر لا تفر منه، ولا تغور تحت أرضه، ولا تخجل من السباحة فوق سطحه..
ولكن العلة تكمن في الصياد..
فليس الصيادون كلهم مهرة وقادرين على صيد الكلام من نهر الكلام..
نهر الكلام يعج بعرائسه المتراقصات على سطحه، والمتقافزات فوق مائه يؤدين استعراضا جميلا ورائعا.. ولكن أين كانت عين الصياد وأين كان يلقي سنارته؟!
قد ينجر الشاعر أو صياد الكلام في نهر الكلام.. يتزود بمنشار ومطرقة ومسامير..
فمن قال ان الأنهر تمنح سمكاتها للمنشار أو المطرقة أو المسمار..
نهر الكلام.. سنارته خيال قادر على الصيد.. ودون الخيال.. خبال وجنون.. ولا سمكة ستمنح نفسها لمن لا يملك الخيال..
الخيال.. صناعة أخرى للحياة..
كل شيء بدأ بخيال.. وصار واقعا..
الإنسان ذاته.. كان في يوم بعيد، خيالا في قلب أمه، ورأس أبيه..
الكلمات التي تكتبها.. زادها الخيال، وطريقها أيضا..
ما تقرأه.. خيال ابتكره عقل كاتبه.. ليبتعد بك عن بشاعة الواقع..
الواقع يصنع بشاعته.. ودور الخيال أن يمحوها ليمنحك الجمال والإيمان بأن الحياة تستحق أن تعاش..
ومن يحيا بلا خيال، تحبسه الحياة في أقفاصها، وتطبق عليه حتى الموت..
الشعراء والرسامون والمثالون والروائيون والقصاصون والأدباء، حتى العلماء والساسة والحرفيون.. كلهم يعملون في حقل الخيال ويتزودون منه..
هل ولد الإنسان ليجد الشعر قوالب جاهزة مرصوصة أمام عينيه، ليختار منها عباءته الشعرية؟
وهل عالِم الفيزياء والكيمياء والطبيب والمهندس، سبقتهم تلك العلوم للتواجد على سطح الأرض.. أم أنهم ابتكروها وبرعوا فيها وجعلوها علما؟
ألم يتخيل أولئك.. الكيمياء والفيزياء وبقية العلوم، فجعلوها واقعا؟
هو الخيال إذن.. صانع الحياة التي نحياها.. وهو راسمها.. وهو كاتبها..
كل ما تراه عيناك، وتسمعه أذناك، ويشمه أنفك، وتلمسه يداك.. خيال في خيال في خيال.
ليس صدقا أن الخيال وهم..
ولكن الصدق أن الحياة وهم.. والخيال حقيقة..
مزيد من الحياة يعني..
مزيداً من القلق
قلوب تحتال على الزمن
بين اصباحة الحياة وإغفاءة الموت زمن قوامه خمس وثمانون من السنوات..
زمن تلوّن بالبلدان وبالتجارب والأحداث..
قلوب توجعت واختلت دقاتها.. وارتبك نبضها..
وقلوب أرادت أن تحتال على الزمن.. وتضمن اخضرارها..
تلك القلوب كلها.. دقت بابه وانفتحت له..
فكان هو الطبيب المداوي الذي طمأن قلوبا وأعادها إلى صحيحها..
الطبيب «ناظم الغبرا» الراحل إلى عالم تصمت فيه القلوب وتتوقف..
كان لي معه قبل رحيله بأشهر جلسة مصوّرة.. فتحت له فيها صفحات بيضاء ليتذكر ويتكلم ويعود بزمنه إلى بداياته في تلك المدينة الفلسطينية، حيث ولد ونشأ وتعلم وشهد احتلال بلده وسرقة مأواه وملاذه، وتحوله من مواطن إلى إنسان مسروق وطنه..
بين أزيز الرصاص واشتعال النيران ودك البيوت وتشريد ساكنيها.. كانت له مساحة من زمن، وقف فيها ليكون شاهدا..
حط رحاله في هذه البلاد منذ فجر الخمسينيات المنصرمة، فصارت له دارا طيبة، وصدرا تنبض فيه القلوب بحب لا ينفد..
عاش جزءا من حياته فلسطينيا، وأكثر حياته كويتيا..
عرف الأمراء والشيوخ والكبراء.. ولم يوصد بابه أمام كل من شكا دقات قلبه..
اسمه محفور في ذاكرتنا الكويتية.. يتجدد على الدوام، حتى إن غيبه الموت..
أشفق على ظهر الصفحة من سوط الكاتبة.
وقال: أنا لست هو.
الإنسان كان خيالا في قلب أمه ورأس أبيه.
الصدق هو أن الحياة وهم والخيال حقيقة.
القلوب.. دقت بابه وانفتحت له.