من طبيعة الفنون ترقية الحس الإنساني والسمو بالمشاعر وخلق حالة وهاجة من الجمال تستقر في النفوس فتهذبها.
وعلى رأس تلك الفنون، فن الموسيقى والتي هي في التعريف النفسي «غذاء الروح» الذي يسمو على غذاء البدن ويفوقه أهمية.
والدول المتقدمة تحرص على تنمية الحس الموسيقي لدى ناشئتها من أجل الارتقاء بمشاعرهم والابتعاد بهم عن دوائر العنف والطيش والجريمة.
لذلك فإن متذوقي الموسيقى ومثلهم الفنانون القادرون على إدارة الآلة الموسيقية هم أبعد الناس عن العنف والجريمة، وأكثر الناس إنتاجية وودا للآخرين وقربا منهم. وعلى العكس من ذلك يقف الذين لم يُقدّر لهم تهذيب أنفسهم بسماع الموسيقى ومعايشة أجوائها، فيكونون أفظاظا غلاظا، قاسية قلوبهم، متجهمين عبوسين كارهين للآخرين، كأنهم من سكنة الكهوف والمغاور ويقتربون في طباعهم تلك من طبائع الإنسان البدائي غير المتحضر والذي لم تمسسه روح المدنيّة ولم تتلبسه ولم تهذب سلوكه الفج والعدواني.
والموسيقى ليست سلما سهل الارتقاء، لا من حيث تعلمها ولا حتى تذوقها، والذين يعزفون عن الموسيقى – سماعا وتعلما – هم لا يفعلون ذلك بمحض إرادتهم ولكن نتيجة عجز وقصور في ذائقاتهم وحسهم الإنساني ونفسياتهم المنطوية على الانعزال ومعاداة العصر ليشكلوا فيما بينهم جماعة بشرية معزولة عن بقية الكيانات البشرية لمجتمعهم.
وهذا الواقع يوجب على المجتمع التدخل ليقوم باحتواء تلك الجماعة المنعزلة والعمل على إدخالها ضمن الحظيرة الإنسانية المتمدنة، واطفاء جذوة الشر في نفوس أفرادها، وتأهيلهم ليكونوا أناسا صالحين وعناصر نافعة ورافدة لحركة تقدم المجتمع، وذلك من خلال تقريبهم من أجواء الموسيقى المعطّرة والكفيلة بتذويب ما في نفوسهم من صلف وجلافة وغلظة. والأمر ليس خاضعا للرغبة الشخصية، بل يجب أن يكون ملزما لأفراد تلك الجماعة، حتى تتحقق للمجتمع الإفادة من جميع أبنائه والبعد بهم عن الطيش والعنف والتمحور حول الذات والانزواء داخل دائرة سوداء قاتمة، قد تأخذهم الى طريق الخطر فيجرون مجتمعهم إلى ذلك الطريق الخطر.