قبل سنوات أعلن أحد أصحاب المكتبات الكويتية، عرض محتويات مكتبته للتصفية.
وهي طريقة يلجأ إليها التجار حتى لا يتكبدوا مزيدا من الخسائر.
يلجأ إلى هذه الطريقة الوراق مثلما يلجأ إليها القماش والبقال والخباز واللحام، وكل ذي بضاعة كدست، وينتهي الأمر بسلام دون لطم للخدود ولا شق للجيوب.
ولكن في بلادي وفي حالة صاحب المكتبة المفلسة، لم «تجر الرياح كما تشتهي السفن» بل طلع علينا طالعون من شقوق ومخابئ ومن أخاديد وسراديب عمي وأقبية سوداء، يولولون وينتحبون ويذرفون الدمع مدرارا حتى غطت دموعهم شط العرب وبحر العجم!
لماذا يا أمة البكائين الندابين الملتاعين، هونوا عليكم أحبتي، فلكل معضلة حل ولكل أجل «كتاب».
قالوا لأن مكتبة أفلست وهذا يعني أن نعش الثقافة قد صقلت أخشابه وسمرت وأن قبر العلم في البلاد قد تم حفره وما نحن سوى ندابين لطامين شقاقين، لموت الثقافة في البلاد ولعزوف الناس عن القراءة.
وبما أنه ليس من جريمة إلا ولها فاعل ومجرم متوار عن الأنظار حتى إشعار آخر، فإن هذا الجاني المجرم هو الحكومة التي لم تسع إلى دعم صاحب المكتبة وحقنه ماليا!!
صحيح أن ردود فعل «حماة الثقافة وسدنة العلم وحراس الشعر وحالبي الكتب وراضعي الروايات» ليست بمثل هذا الوصف الكاريكاتيري ولكنها ليست بعيدة عنه.
سأتوقف عند هذا الحد، فليس هذا موضوعي اليوم ولكن يشبهه.
فقد توفي قبل أيام أحد الإخوة العرب من المقيمين في الكويت منذ ما يقرب من ستة عقود، رحمه الله وخالص العزاء لأهله وعارفي فضله.
فكانت وفاة هذا الرجل المجيد فرصة لخروج الناعيات والندابات واللطامات والشقاقات، ليتفوقن على سابقيهن نعاة المكتبة، وليعرفوا الراحل إلى ربه بـ «من كان له فضل على الكويت»!!
هزني هذا التعريف فرحت أنقب في أفضال هذا الرجل على بلادي وعلي وعلى والدي وأبنائي، فلم أجد له فضلا مباشرا على بلادي، وكل ما عمله أنه افتتح مكتبة للكتب الإنجليزية والعلمية!!
أنا حقيقة لا أرى في ذلك فضلا ولكنني أرى العكس وأرى أن للكويت عليه فضلا حيث مكنته من مزاولة تجارته، وقضي الأمر.
لم تكن بلادي عارية فكساها ولا جائعة فأطعمها ولا خائفة فأمنها.
رحم الله بشير الخطيب، لقد أساء إليه من لم يحسن نعيه.
[email protected]