كثيرا ما تتعرض المجتمعات الإنسانية إلى نوع من غسيل المخ الجمعي، فيتأثر الناس بما يسمعون ويؤمنون بما قيل لهم وما سمعوه دون تفكير ولا تمحيص ولا تدقيق ودون عرضه على العقل من أجل تصديقه أو نفيه.
ومن صور ذلك الغسيل الدماغي الجمعي، ما نردده منذ وعينا وعرفنا الحياة وهي جملة نستخدمها كحكمة نلجم بها من يحاججنا ليلوذ بالصمت بعد أن نفجرها في مسامعه وكأننا قد استخدمنا معه الضربة القاضية حسب لغة الملاكمة أو أسلحة الدمار الشامل حسب لغة السياسة!!
تلك العبارة هي «القانون لا يحمي المغفلين»، والحقيقة أن المغفلين هم نحن الذين صدقنا هذه العبارة البلهاء الغبية الكاذبة التي لا أدري من أين أتتنا ومن قالها لتسري بين الناس مسرى النار بالهشيم!
إن لم يكن القانون يحمي المغفلين، فمن يحمي إذن؟
أولى الناس بحماية القانون هم الضعفاء والمساكين وقليلو الحيلة ويأتي المغفلون على رأس أولئك، فالمغفلون إذن هم أولى الناس بحماية القانون والتغطي بمظلته، وليس الأقوياء والأذكياء والقادرون وذوو السلطة والنفوذ.
لا أدري من دس هذه العبارة علينا ومن نشرها وروجها، ولا أدري أيضا كيف تبنيناها وصرنا نرددها خبط عشواء دون رشاد ولا فطنة حتى بتنا نحن المغفلين، رغم أننا فعليا لا نتعامل بها ولا المحاكم تركن إليها ولا القانون يعمل وفق منطقها الأعوج. فلم نر مثلا محكمة صدت مغفلا وطردته من أوسع أبوابها تحت ذريعة «أن القانون لا يحمي المغفلين»، هذا غير واقعي ولم يحدث قط.
إن من مسؤولية المجتمع سواء الرسمي أو المدني حماية الناس جميعا، فكيف يتخلى عن المغفل وهو الإنسان الضعيف الساذج الطيب، فهل هذا معقول أو مقبول؟ فلو كان القانون لا يحمي المغفلين فمن واجب المجتمع التصدي لهذا القانون الأهوج الأعوج الأعرج وتعديله ليدخل المغفلين تحت مظلته، لا أن يتبجح هذا المجتمع ويتفاخر بسوئه وتقصيره مرددا «القانون لا يحمي المغفلين».
وهذا يدعونا لمراجعة الكثير من العبارات السائدة والمنتشرة بيننا والتي نرددها دون تأمل بمعناها ولا تفكر ولا تبصر بمدلولاتها.
[email protected]