-
الوطن.. ناس وحجارة وتراب.. دمع وحب وذكريات.. وضحكة فـي القلـوب وفــي العيــون
-
الذيـن يدّعـون المظلوميـة ويذرفون دمعاً كذوباً على حالهم إنما يمارسون سياسة الابتزاز ويشترون بآيات الوطن ثمناً قليلاً
-
الطيـش بالطيـش.. والكذب بالكذب والحقد بالحقد والبادئ ليس أظلم.. قد يكون أقوم
-
صــورة ظلامـية سوداء لا تنذر إلا بسوء يعقبه سوء.. ووحـوش مفتـرسة كبد الوطن لا تستحي ولا تخاف عاقبة حرقه بمهووس الكلام
دنيانا.. وطن
فتنة.. وقودها الناس ووطن.. ماض.. وحاضر.. ومستقبل.
ملعونة.. وملعون موقظها..
الوطن.. ناس وحجارة وتراب.. ودمع وحب وذكريات.. عرق وكد وحياة..
نور.. وظلام.. ووحشة.. وغربة.. وضحكة في القلوب وفي العيون.
نسيج تتوالى الأيدي العاملة على حياكته..
يد تنسج فتشيخ وتتعب.. ثم تكف.. فتأتي يدٌ ناسجة على المنوال ذاته..
وموّال.. بلا ضجة ولا ضجيج.. ممتد.. سرمدي.. لا تنقطع آهاته المنطلقة في الأفق البعيد.. ولا تتحسر المحبوسة في قفصها..
دنيانا.. وطن.. ووطننا دنيا..
يصغر الوطن.. أم يكبر.. فهو دنيا..
الدنيا الكبيرة.. قوامها أوطان صغيرة وإن كبرت.
والدنيا هنا.. أراها في وطني.
بؤسها.. في وطني..
فرحها.. يولد فيه..
ان أبكتني دنياي.. فإن من أبكاني.. هو وطني..
وان سرتني.. فإن من سرني.. هو وطني..
وطني هو الكل المكتمل
هو راحة يدي
وهو ساعدي
وهو قدمي التي أدب بها على الأرض.
وعيني التي تدلني على الشائك فأتجنبه.. وعلى السالك فأسلكه..
هو قلبي.. ووجداني.. ومشاعري.. وأحاسيسي
أحب من أجله..
وأكره من أجله..
هو الذي أحبه حبا لا ينقطع..
أقسو عليه فيسامحني..
يقسو علي.. فأحنق وأغضب وأثرثر بقول أهوج
لا تحفظه ريحه وتذروه بعيدا..
أعتاش على ذكراه.. ولا أشخب اثداءه الا بما يسد رمقي كي أعيش خادما له..
أطأطئ له رأسي.. وأنحني أقبّل يديه.. واشمخ أقبّل هامته العالية..
ذلك.. وطني..
وطنكم أيها الكويتيون..
فعلام تتصارعون.. وتتقاذفون القول الهائج والكلام الطائش؟!
أنا الوطن.. والوطن أنا
حينما يختصر الانسان وطنه ـ ليجعله بحجمه هو.. صغيرا على مقاسه هو.. دون أن يكون للآخرين من ظلاله نصيب.. ومن فيئه مغنمة.. عند ذاك تدق ساعات الحزن في ساحات الوطن..
يبكي السور.. وتنتحب الصحراء.. وينشج البحر.. ويخرج الغاصة بلا يدين.. صفرا كالملح المسموم..
وحينما تقول أمة من أمم هذا الوطن: أنا الوطن والوطن أنا..
ينسحب الوطن من جدول الزمن.. وتمحوه خارطة الجغرافيا.. ويسكب عليه التاريخ الزيت ويشعله..
والذين يجعلون الوطن شرائع.. وشيعا.. وفرقا وأحزابا.. وقبائل.. ونحلا.. وأمما شتى.. هم قوم حراقون للوطن.. لا يريدون لوطنهم ان يسود.. ويتسيد.. ولا يريدون لأهله السيادة والسؤدد.. ولا العزة ولا الهناء ولا الحرية..
هم هدامون لأسوار التاريخ.. وفكاكون للحمة الوطنية..
لا يجدون أنفسهم.. إلا في ظلال الشجرة الجرداء..
ولا يسمعون إلا نعيق الغربان.. تنعق في آذانهم.. فيصدرونه بألسنتهم الى القوم المطمئنين..
والذين يدعون المظلومية.. ويذرفون دمعا كذوبا على حالهم ومآلهم ومظلوميتهم الكاذبة.. إنما هم يبتزون الوطن..
يشترون بآيات الوطن.. ثمنا قليلا..
يجيشون الجيوش الحاقدة وراءهم.. الساعية إلى استعار القلوب بالغل والحقد والحسد.. وهم في كل ما يقولون.. كاذبون.
الطيش بالطيش.. والكذب بالكذب.. والحقد بالحقد..
والبادئ ليس أظلم..
قد يكون.. أقوم
قد نجد اصوات الغربان.. من يسمعها تطربه وتجذبه.. ويرقص عليها
ولكن اصوات الغربان.. لا تبني وطنا.. ولا توحّد أمة..
لا تؤاخي.. ولا تزرع الحب في القلوب.. ولا تنثر في الاراضي البور.. بذور التلاقي والتآخي والتوحد..
لا تصهر الكل بواحد.. ولا ترفع راية يتوحد تحت بندها الناس كلهم.. بمختلف مشاربهم.. واختلاف عقائدهم..
طبول خرقاء.. واصوات نشاز.. زعقت في قديم من زمن.. وليس اليوم فقط.. تهدد وتتوعد.. ترفع في قصي من الأرض الكويتية راية نسجتها بألوانها هي.. وطبعتها بطبيعتها هي.. وراحت تذرف الدمع التماسيحي على قوم مظاليم لم تشملهم الدولة بخيرات البلاد ونعيمها..
لم تزرع شجرة ليأكل المظاليم ثمرها.. او يتوسدوا أيديهم تحت ظلالها.. في قيظاء الدهر ـ أو رمضاء الزمن..
لم يشملهم الخير العميم الذي عم البلاد.. وغمر بعض ناسها دون أولئك المظاليم المزعومين.. الذين زعم الناعقون بمظلوميتهم.. كذبا وزورا وبهتانا..
ألم يشر أحدهم.. الى ان آبار النفط تحت اراضيهم.. وحيث هم يقطنون؟!
أما قال قائل ومثله زعم زاعم وتقول متقول وتخرص متخرص.. بعدم العدالة في توزيع الثروة النفطية.. وتحدثوا عن الشركات ومن يملكها، والشاليهات، والتثمينات، والمنح والعطايا التي كانت لفريق دون آخر؟!
ألم يقسّموا الشعب بين سيّد ومسود، وغني وفقير، وداخل السور وخارجه، وقبلي وحضري، وتفريقات وتقسيمات اخرى.. تدل على عنصرية بغيضة من قبل كل من أطلقها من أي طرف أو جهة كانت؟!
بلى حدث ذلك وحدث ما لا يُكتب، ولا تُحبذ إعادة التذكير به.
أولئك كلهم مجرمون بحق الوطن وبحق أهله.
أولئك يرومون الفرقة وزرع الكراهية في القلوب ودفع الناس الى حمل السيوف والحراب ولكز الخيل والحمحمة في ساحات الوغى.
لم.. ولماذا؟
وعلام الحرب التي تؤججون بألسنتكم الغرابية نارها بين بني الأب الواحد والوطن الواحد والعشيرة الواحدة؟
لماذا تكذبون وتزعمون وتزيّفون الواقع وتغطون وجه الحقيقة وتدوسون على الحق؟
ماذا تكسبون اذا سالت دماء الناس أو تباغضوا أو تباينوا وتباعدوا ونأت نفوسهم عن بعضها وتفرقوا فرقا شتى متباغضة متحاسدة؟!
ماذا تستفيدون من حقن القلوب البريئة الطاهرة بالكراهية والنفور والبغض والحقد والحسد؟!
اجترار التاريخ الكاذب
وللاسطوانة الملعونة وجه آخر له الدمامة ذاتها.. والبشاعة عينها والقبح نفسه.
تحمل نعيق غربان آخرين متضادين بالطرح مع نظرائهم الناعقين بخرابات الصدور ولكنهم متفقون ـ معهم ـ من حيث المبدأ في الفرقة والاحتراب واجترار التاريخ الكاذب ليكون لهم سندا في نعيقهم.
والضحية في كل ذلك.. هو الوطن.
هم الناس.
العقل.
الحقيقة.
المستقبل.
النهوض.
الازدهار.
ولأن الفراغ قاتل والفارغين كثر.. فقد تحزّب الفارغون وراء غربانهم وشكلوا صفوفا من فراغ يهذون بما يهذي به غربانهم وينعقون مثل نعيقهم وتلّوث الهواء وتسممت الصدور وفسدت الألسن واسودت النوايا وشاعت البغضاء وتفشى التحاسد وانتشر الوسواس في صدور الناس.. وراح كل فريق ينشئ له بكائية حمراء.. حينا.. وسوداء حينا.
تخلخلت الصفوف وارتبكت مسيرتها واعوجّ سيرها وتعثرت خطاها.
حلّت الخناجر محل الحناجر فتطاعن القوم الفارغون على ما ظنوه قُصعة ذات زاد يخشون نفاده.
نسوا أنهم ازاء وطن لا قصعة طعام يتقاتلون على الغرف منها لحشو أمعائهم المستعرة والتي لا تشبع وإن سفّت تراب الارض جميعا وابتطنت خيراتها.
إنه وطن.. لا رغيف خبز ولا ثدي بقرة
صورة ظلامية سوداء لا تنذر الا بسوء يعقبه سوء.
ووحوش مفترسة كبد الوطن لا تستحي ولا تخجل ولا تخاف عاقبة حرق الوطن بمهووس الكلام.
لا رشد لها ولا عقل.
ولا تزن الامور ولا تقدر العواقب.
تنطق بالهوى وتدوس الهوية.
تبغي زعامات من أصنام فارغة تتبعها وتزين لها شائن أفعالها.. وتصفق لها كلما طاش رذاذ الكلام في وجوهها.
وسفهاء.. مدججون بالجهل والدونية والترخّص.. يفسح لهم في المجال وتفتح لهم الصدور قبل الابواب وتبحلق فيهم العيون الخرساء الرمداء الشاخصة في الفراغ المتوحد مع فراغهم ودونيتهم وتدنيهم.
يمشون في الارض مرحا وكأنهم بلغوا الجبال طولا أو كأنهم طواويس زاهية بألوان ريشها.
دلوني على وطن واحد.. سار على هذا الدرب ونجا.
ودلوني على وطن واحد يتسيّد فيه الغربان ويرتفع فيه السفهاء فوق قدرهم ويصبحون فيه ذوي الحظوة والمكانة والرأي المسموع.
دلوني على وطن واحد يشمخ فيه الاقزام ويتطاول فيه الادنياء ويتصدر المجرمون فيه المجالس ويُرفع فيه الاشقياء على الاكتاف.
فيا وطني.. الكويت.
عد كما كنت.
عد وطنا.
لا قصعة زاد أو رغيف خبز أو ثدي بقرة.