صالح الشايجي
يعود تاريخ حصولي على رخصة القيادة أو «رخـصة سوق» كما تسميها إدارة المرور و«الإجازة» باللهـجة الكويتـية الدارجة، أو «الليـسن» المحور من الإنجليزية وهو اللفظ الأكثر شـعـبيـة، إلى عـام 1962، أي مع ولادة الدولة الكويتية الحديثة، ومع انطلاق الحياة الديموقراطية والدستورية في الكويت.
ما علاقة هذا بذاك؟ ليس من علاقة مبـاشرة ـ طبعا ـ ولكن ربما أن العلاقة الوحيـدة تكمن في أن «الديموقراطية» اتاحت أن اكتب منـتقدا جهة حكـومية، وهذا من فضائل ديموقـراطية الكويت التي تدعك تقول ما تـريد وتريد ما يقال لك، أما العلاقة المباشرة بين تاريخ حصولـي على «الليسن» وما سأكتبه اليوم فهو ما حدث معي يوم الثلاثاء الفائت والمتعلق بـ «المرور».
ضحى الثلاثاء أمس، الجو بديع والدنيا ربيع، حدثتني نفسي أن اذهب إلى السالمية لإنجاز أمر خاص، ولما دخلت بسيارتي إلى موقف السـيارات في احد أجزاء شـارع سالم المبـارك الجزأ مـثل الدولة الفلسطينيـة بين «غزة» و«رام الله»، والذي نطالب بإعادة توحيده حـتى يكون «جزءا لا يتجـزأ»، التفت إلى الرصيف الأيسر وكان مـكتظا بالسيارات المتوقفة التي انتـهزت خروج أحداها فأوقفت سيارتي محلها، بعدما تأكدت ان الرصيف لا يشكو من «صفرة» المرض ولا «سواد» الحقـد، أي انه ليس مخططا بالأصفر والأسود، ما يعني حسـبما عرفـناه من قانون المرور ان الوقـوف بمحاذاته مـسمـوح لا ممنوع، فأوقـفت سيارتي وقضـيت مصلحتي وعدت لسيارتي بعد مـا لا يزيد على عشر دقائق لأجد ورقة مخـالفة ممضية باسم رقيب دراجات «عبـدالمحسن إبراهيم حقي»، فـأدركت إنني قـد وقـعت في المحظور دون أن ادري، ولأن المخالفة «طرية» و«ساخنة» ولم يجف حبرها بعد، كاتفاقيات العرب التي لا يجف حبرها لأنها نقـضت قبل أن «يلفـحهـا» الهواء، فـإن الرقيب عـبدالمحـسن كان في سـاحة الواقعة، فاستفسرت منـه عن سبب «مخالفتي» رغم أن الرصيف ليس مخططا بشيء يمنع الوقـوف، فأفادني بأن الوقـوف ايسر الطريق هو اشـد خطرا من الوقوف في الرصـيف الخطط بالأصفر والأسود، وان كانـت غرامة «الخطط» خمسة دنانير فقط فإن مخالفة «السادة» خمسة عشر دينارا.
من أين لي أن آتي بمثل هذه المعـلومة؟ لا ادري ولا أظن أحدكم يدري عن هذه المعلومة، ولكن بما أنني شـخص مؤدب ومواطن «صالح» فقـد أصغرت لتـعاليم «الـرقيب» وشكرته عـلى هذه المعلومات الـقيـمـة التي سأورثهـا لأولادي وأحفادي حفظا لأموالهم المنقـولة والثابتة من غرامات المرور! ولكن العجب العـجاب الذي شاب له الصـقر والغراب هو أنني ما أن اسـتدرت إلى الجانب المقـابل من الشارع نفسه حـتى فوجئت بأن الوقوف أيسر الشارع مـسـموح به وبعـلم المرور، والدليل على ذلك وجـود أجهزة التحـصـيل المنصوبة وبمباركة المرور!
إذن من اصدق؟ هل اصدق الرقيب الذي أهدى الي معلومة مهـمة فرحت بها فرحة ما تمـت؟ أم اصدق إدارة المرور التي سمحت بالوقوف الأيسر؟ ام اصدق الرصـيف «السادة» ام الرصيف «الخطط»؟
المهم أنني سأدفع الـ 15 دينارا صـاغرا مرغـما لأننا في بلد «ديموقـراطي» الكلمة فيه لـ «الحكومة» مصدر السلطات جميعا.