يقدر عدد اليهود في الولايات المتحدة بـ 7.5 ملايين نسمة وفق تقرير مركز بيو 2020، إلا أنهم لا يتشاركون النظرة نفسها إلى إسرائيل والصراع العربي - الإسرائيلي، كما قد يظن الكثير من العرب والمسلمين، ومثلما توجد العديد من المنظمات التي تدعم وتناصر إسرائيل، فإن هناك يهودا أفرادا ومنظمات لطالما عبروا عن انتقاداتهم ومخاوفهم تجاه ما تفعله إسرائيل!
وتُذكر هنا حركة ناطوري كارتا (حراس المدينة) وهي جماعة دينية يهودية يعود تاريخها إلى عام 1935، ويقارب تعدادها 5000 نسمة يتواجدون في القدس ولندن ونيويورك، تعارض بالكلية وجود الكيان الصهيوني، وتنادي بفلسطين حرة من النهر إلى البحر. كذلك، توجد منظمات أخرى يسارية أو ليبرالية تنتقد بين حين وآخر السياسات الإسرائيلية، مثل منظمة جي ستريت J Street التي تأسست عام 2008 وتدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومنظمة IfNotNow، وهي حركة شعبية من الشباب اليهود الأميركيين تأسست عام 2014 تعارض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتدعو إلى حل أكثر عدلا وسلمية، بالإضافة إلى مجموعة اليهود ضد الاحتلال (Jews Against Occupation).
لكن أشهر هذه المنظمات وأكبرها هي الصوت اليهودي من أجل السلام Jewish Voice for Peace JVP التي تأسست عام 1996، وتدافع عن السلام والعدالة وحقوق الإنسان للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وتتميز هذه المنظمة عن سواها بكونها أول جماعة سلام يهودية كبرى تطالب بحجب المساعدات العسكرية الأميركية عن إسرائيل حتى تنهي احتلالها، كما أنها الوحيدة التي تدعم دعوة المجتمع المدني الفلسطيني للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.
وفي نهاية الأسبوع الماضي قامت المنظمة بحشد الآلاف في نيويورك وواشنطن للمطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة وتوفير الحماية للفلسطينيين من حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل تحت شعار «يهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية للفلسطينيين»، واعتصم المئات من أنصار الحركة في مبنى الكابيتول بواشنطن ومحطة غراند سنترال للقطارات بنيويورك، وقامت المنظمة قبل ذلك بأسبوع بتنظيم مظاهرات في نيويورك لوقف القتال بدعم من حزب الاشتراكيين الديموقراطيين!
سبق ذلك مسيرة واشنطن، التي دعت إليها المنظمات اليهودية المناهضة للصهيونية، والتي شارك فيها ما يزيد على 5 آلاف يهودي أميركي من بينهم نحو عشرين من الحاخامات ورفعت أعلام فلسطين، مطالبة بوقف حرب الإبادة على غزة يوم زيارة الرئيس «بايدن» لتل أبيب 17 أكتوبر الماضي، تحت شعار «لا تقتلوا باسمنا»!
لقد كان نشاط اليهود المناهضين للصهيونية وإسرائيل هذه المرة لافتا للنظر في مناكفة داعمي إسرائيل علانية، فلم يقتصر نشاطهم على المسيرات ورفع إعلام فلسطين، بل امتلك بعضهم الجرأة للتنقل بين فريق المناهضين لإسرائيل ثم لقاء اليهود الداعمين لإسرائيل ومحاورتهم كما شهدته بنفسي في مظاهراتهم في برنستون، حيث كان بعضهم يرفع شعارات «Jews against apartheid» (اليهود ضد الفصل العنصري) وJews in Solidarity with Palestine (اليهود في تضامن مع فلسطين) بعد أن يعرفوا على أنفسهم كيهود مناهضين لإسرائيل وحربها الهمجية!
إن هذه التطورات الأخيرة تؤكد على أهمية الفصل بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة استعمارية عنصرية، وعدم المساواة بين انتقاد إسرائيل، وما يفعله جنودها ومستوطنوها، وانتقاد اليهود واليهودية، ونحن في ذلك وإن كنا نتصرف بما تمليه الحقائق المشاهدة والمنطق والعدل، فإننا كذلك نمتثل لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)!
[email protected]