تجذبني بل وتأسرني القصص الواقعية التي تلامس وجداننا لما فيها من عبرة وموعظة قد تواجهنا في حياتنا القصيرة.
دخل مكتبي ولي أمر كان ابنه عندي في السنوات السابقة يبلغ من العمر الستين عاما تقريبا وسلم علي وقال لي: إنني أعرف أنك كاتب في جريدة «الانباء» وأتمنى أن تنشر معاناتي لفقدان شريكة حياتي والتي توفيت قبل عام، لقد كنت طوال فترة وجودها معي ونفسي تقول دائما: ياليتك كنت «عزوبيا» تأخذ راحتك في الخروج والسفر وتبتعد عن جميع مسؤوليات الحياة، وكنت طوال فترة عملي انتظر ايضا التقاعد لكي انطلق كالشباب في السفر والرحلات مع الربع الذين أصبحوا «شيابا» ولنا الهموم المشتركة نفسها، ولا يخفى عليك استاذ سامي أن كل بيت فيه من المشاكل أو لنقل «بهارات» الحياة، فمن دونها لا تحلى الحياة، تقاعدت ولم أسافر كما كنت أتمنى ويتمنى معي كذلك «الشياب»، فقد هاجمتهم الأمراض من كل حدب وصوب ولم يستطيعوا أن يوفوا بوعدهم بأن نكون كالرحالة ابن بطوطة، لقد تبخرت أحلامي وآمالي في السفر ومعيشة العزوبية كما كنت أتمنى، ولم أجد سوى أم العيال من يعوضني لتحقيق تلك الاماني القديمة وطلبت منها أن نسافر معا فكانت تعتذر بسبب انشغالها مع الاولاد والشيء الاهم «عامل السن»، فجربت السفر وحدي الى احدى الدول الخليجية من أجل أن أثبت لنفسي أنني قادر على السفر وتحقيق حلمي ولكنني لم أشعر بأي سعادة تذكر فلم أجد الأنيس ولم أجد من يهتم فيني.
عندها عرفت أن ما كنت أتمناه هو «أوهام» لا يمكن أن تتحقق دون شريكة حياتك، فمهما كبرت فلن تجد أفضل منها من يعتني بك، فلقد داهم المرض فجأة زوجتي وكنت أجلس معاها بالساعات، فقد أصبح سفري هو الذهاب اليها كل يوم من الصباح الى المساء في المستشفى والجلوس معها بسعادة رغم الحزن والالم اللذين يقتلاني لأنني سأفقدها قريبا ونتذكر كل تفاصيل حياتنا السابقة ونضحك معا، وهنا نزلت دمعة منه ومسحها بطرف غترته، لقد رحلت وتركتني وحيدا ولم أجد من يهتم فيني، فمهما كان لدي أبنائي من وفاء فإنهم لن يكونوا كوالدتهم ابدا، وانك ستشعر بأهمية زوجتك عندما تذهب وتتركك وحيدا، فيارب ارحمها برحمتك الواسعة وأسأل الله العلي القدير أن يجمعني وإياها في جنات النعيم.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من سعادة ابن آدم، المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح» رواه أحمد، عندما يكون الحديث عن الزوجة فهي النصف الثاني للرجل وارتباطه بزوجة صالحة، يقول الشاعر:
صعبة أعيش أيام عمري بلياك
وإنت الحياة بدون شوفك كآبة
فالزوجة الصالحة الحياة معاها نعمة وهناء ومن روعتها أنها تكون للرجل ملجأ وصدرا حنونا وكاتمة لاسراره ومعينة له في الشدة والمصائب ويقول الفيلسوف ديلمون: كلما أغوص في أعماق بحر حبيبتي، أجد في داخلها أغلى اللآلئ، ان فقد الزوج لزوجته ينطفئ جزء كبير من حياته فهي للرجل حياة وأمل وسعادة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ألا أخبرك بخبر ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» رواه أبو داود.
إنها دعوة صادقة وخالصة لكل زوج أن يحسن العشرة مع زوجته مادامت هي على قيد الحياة قبل أن يأتي يوم ويكون حاله كحال صاحب القصة فهي التي ستعينه عندما يكبر، وهي التي سترسم البسمة بكلمة لزوجها فيشعر بسعادة وحلاوة الدنيا معاها.
[email protected]