عندما تقسو قلوب الأبناء فإنها تكون أقسى من الصخر، ما سأكتبه في هذه المقالة هو قصة حقيقية قرأتها في كتاب «موسوعة القصص المؤثرة» رويت على لسان من كان يعمل في دار المسنين في إحدى الدول العربية يقول فيها: ادخل رجل مسن لدينا وخلال فترة طويلة لم يزره أحد من أولاده رغم علمنا أن لديه «عشرة» أبناء يعملون في وظائف محترمة وان حالة أبيهم صعبة ومصاب بشلل نصفي، وكان دائما يردد طوال الوقت: أين أولادي؟ لماذا لا يأتون لزيارتي؟ وكنت أطمئنه بأنني سأتصل عليهم لكي يحضروا وتفاجأت بردهم عندما قالوا: بأن والدهم قد توفي منذ فترة طويلة!
بدأت العلاقة السيئة بين الأب وأبنائه، عندما أرادت زوجته طرد والدته العجوز فرفض ذلك الطلب مما جعلها تذهب مع شقيقها الى المخفر وادعت بأنه قام بضرب ابنته الصغيرة، مما أدى الى حدوث مشاجرة كبيرة جعلته يترك المنزل مع والدته خوفا من أن يؤذوها أثناء غيابه، فعاش بعيدا عن بيته طيلة عشرين سنة وتوفيت والدته اثناء تلك الفترة إلى أن كبر وأدخل الى تلك الدار لرعايته، ومع مرور الوقت رفض أخذ الدواء وكان كل ما يطلبه فقط هو رؤية أولاده ويتساءل لماذا لا يأتون لزيارته؟
لقد أصبحت حالته صعبة جدا ورغم ذلك فقد كان يقول: عند وفاتي أعط كل أموالي لأولادي، أريد أن تنفعهم برغم جحودهم! وعند وفاته اتصلت بأولاده لكي يحضروا لأخذه ودفنه، لكنهم رفضوا الحضور، وطلبوا - من راوي القصة - بألا يتصل بهم نهائيا! وتم دفنه بعد أن حضرت جنازته أعداد كبيرة من الناس للصلاة عليه بعد أن سمعوا قصته وتفاعلوا معها، وقد حضر أحد أبنائه الى دار المسنين بعد فترة لآخذ ما يملكه والده من مال، ورفض أخذ أغراضه الخاصة قائلا: أرموها أو أعطوها لأحد العمال!
إن فقدان الأب هو إحساس لا يعرفه الا من ذاق طعمه، إنه أصعب مما تتخيلون فلقد عشت تلك التجربة شخصيا وكان عمري تقريبا 11 سنة فكانت تجربة قاسية ما زلت أعانيها رغم السنين الطويلة على وفاته، إن ضحكة الأب هي جزء من العافية والأمان والسعادة فهو الحب الذي لن نندم عليه أبدا، فيا ربي بقدر شوقي لأبي وكثر حبي له وحزني عليه عوضه عن هذه الدنيا بجنة عرضها السموات والأرض، أما من جحد أباه كما في قصتنا فإن الله يمهل ولا يهمل فبروا آباءكم فستعضون أصابع الندم عند فراقهم وستحرمون من حنانهم وعطفهم والإحساس بالأمان كما هي حالتي حاليا.
[email protected]