إن التغذية الفكرية أمر ضروري من أجل النهوض بواقع متذبذب ما بين الواجب عمله والواجب تركه، فالنهوض الفكري في التأمل بواقعنا أمر غاية في الأهمية من أجل صد الصراعات التي تحدث بين الناس ما بين الصح والخطأ والحلال والحرام.
ففي البداية، يجب أن نتفق على أن الإسلام دين يدعو إلى البساطة والتواضع في الأمر كله وجعله من الإيمان، فعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي رضي الله عنه قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان» يعني: التقحل. رواه أبو داود، وتقصد البذاذة بمفهومها الصريح التواضع وترك الترف.
وما يحدث اليوم على ساحة حياتنا الاجتماعية مناف لذلك المفهوم، وخاصة ونحن في شهر فضيل يجب على المسلم الزيادة في التواضع وكبح جماح شهوته من أجل تكريس طاقته للعبادة.
وعلى سبيل المثال ما حدث الأسبوع الماضي من حفلات «القرقيعان» وتشويه صورة السلوكيات الواجبة في رمضان، حيث فكرة «القرقيعان» بغض النظر عن أصولها التاريخية كما بينها لنا مشايخ الدين أثابهم الله، هي فرحة للطفل في رمضان من أجل كسر الملل الذي ينتابه جراء انشغال الكبار بالعبادة، ولعلها عادة تبهج الصغير في شهر فضيل، وإنما! يجب أن تكون بمفهومها البسيط لا المبتذل، يجب علينا كمسلمين محاربة التفاخر في البذخ والابتذال في طقوس «القرقيعان»، حيث أصبح هذا اليوم يحتفل به بشكل رسمي بعيدا عن البساطة بمفهومها الصحيح والتواضع بالشيء، أصبحت الأم تعد أفخر أنواع الحلويات شاملة للكبار والصغار، وشراء الملابس المبتكرة، وإعداد البوفيهات والتبرج المبالغ فيه، والشيء المخزي المحزن الأغاني والرقص في هذه الأيام المباركة التي يجب على المسلم ترك كل ما يغضب الله من تفاخر وترف من أجل التقرب إلى الله ورجاء رضاه ورحمته وعفوه عنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (رواه البخاري)، فالله عز وجل يقول يدع المسلم شهوته وأكله وشربه، فهل المسلمون اليوم يتركون شهوتهم من أجل الخالق أم يكتفون بترك الطعام والشراب؟
فالمراد من المقال هو أن التغذية الفكرية هي أساس السلوكيات الراقية والنهضة الحضارية، فيجب علينا تغذية فكر الجيل الصغير الذي لا يفقه شيئا في الحياة إلا ما يتلقاه من والديه من سلوكيات ومفاهيم يراها صحيحة بمفهومها دون منازع لثقته العمياء بوالديه، رسالتنا كمسلمين إعطاء الفهم الصحيح للجيل الحالي والقادم بترك البدع والمغالاة في الشيء والسعي وراء كل ما هو مفرح ومبهج بمناسبة أو من غير مناسبة، فالاعتدال في الفرح ومظاهر البهجة يجب أن يكون بتواضع وببساطة وبعيدا عن المغالاة به وهو أمر مطلوب في تزكية النفس، فالقضية تكمن ببناء شخصيات إسلامية سليمة خاليه من العقد والاضطرابات النفسية التي فتكت بقوام الشخصية المسلمة اليوم، صوموا تصحوا.
[email protected]
family_sciences@