إن للكلمة وقعا كبيرا في النفس، وخاصة على الأبناء، ورب كلمة قيلت لنا في الصغر ختمت في نفوسنا حتى الكبر، وانعكست على نفسياتنا وتبلورت عليها شخصياتنا سواء بالسلب أو الايجاب، فقد تكون كلمة طيبة بها شفاء للنفس من عللها النفسية، ورب كلمة خبيثة تكون مؤلمة بشكل أكبر من الضرب ولها أضرارها الصحية، يقول الله تبارك وتعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) (إبراهيم: 24-26)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة - من سخط الله- لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم» (أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين).
فالآلام العاطفية والاجتماعية أي النفسية أوقع بالنفس من الآلام البدنية، فمن السهل أن يستحضر الإنسان ألمه العاطفي أو بشكل آخر النفسي بالمقارنة مع استحضار ذاكرته بالألم البدني، يقول تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) (البقرة: 263)، ويقول عز جلاله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125).
فالشخص الذي يتلقى كلمات طيبة من حوله ومخزنة لديه ذكريات جميلة مع من يحيطون به، يكون أكثر سعادة وأكثر انجازا وحيوية، إلى جانب تمتعه بالصحة النفسية التي تنعكس على صحة بدنه وعقله وطريقة تفكيره، أما الشخص الذي تلقى كلمات جارحة مؤلمة وصدمات وذكريات مؤلمة، فتجده بطيئا بإنجازاته تعيسا ـ قلقا ـ تنتابه الكآبة ومنعزلا اجتماعيا، ولعل الكبير لديه القدرة على اخفاء ما يعتليه من أوجاع بالمقارنة مع الصغير، فالأطفال تجد عليهم ردود الأفعال واضحة لكون ردود أفعالهم تلقائية جدا، والطفل السعيد المسرور في حياته والذي يتلقى من والدية الكلام الطيب والثناء والمدح، يكون في حالة منتعشة دائما ومرح، بعكس الطفل الذي يتلقى آلام نفسية وضغوطات اجتماعية من قبل أسرته، يبان عليه الألم والعزلة والعدائية والقلق والزعل.
وهناك الكثير من الآباء والأمهات من يشتكون من عدم مقدرتهم على صد تلك الضغوطات النفسية التي يتعرضون لها من قبل صدماتهم مع أبنائهم، وبالتالي الكلمات التي تخرج منهم تكون خارج سيطرتهم جراء الانفعال، ولكن رسولنا الكريم أوضح لنا علاجات ذلك عن طريق (الصمت)، إلى جانب بيان عدم الرضا من قبل الوالدين وذلك يكفي، فالانفعالات اثر الغضب قد تجعل صاحبها يمشي في طريق القذف والشتم واهانة من أمامه، فالسكوت أفضل من كلمة تخرج من فم غاضب تكون كالرصاصة في القلب، ويقول تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (آل عمران: 134).
فالكلمة عبارة عن طاقة عظيمة تتشكل على أساسها الأنفس، ولعلها أفضل دواء للمريض، والدليل على ذلك معجزة القرآن الكريم الذي أنعم الله به علينا به شفاء للناس، يقول عز جلاله: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) (يونس: 57)، والكثير من الآيات الشريفة التي توجه بالكلمة لما لها طاقة في إثراء النفس والروح، والكلمة أخت التكرار، حتى يتم علاج النفس بها لا بد من تكرارها مرارا حتى تتشكل النفس الطيبة على أساسها أي ما يسمى (بالصناعة النفسية).
family_sciences@