إن أول خمس سنوات من عمر الإنسان هي من أهم مراحله العمرية، وذلك لبناء أساس قوام شخصيته من الناحية النفسية والسلوكية، فكل ما يتلقاه الفرد سواء من عناية أو إهمال هو سبب يتوقف عليه سعادته أو شقاؤه في المستقبل، فالطفل في هذه المرحلة يختزن المشاعر والأحاسيس والعادات التي يتلقاها أثر تنشئته في هذه المرحلة عن طريق الملاحظة بنسبة كبيرة جدا ومن ثم التلقين، فإن تمت تنشئته في هذه المرحلة بشكل سليم بات الفرد في صحة نفسية عالية ومستوى ذكائي عال وناضج في المستقبل.
تأتي الخمس سنوات التالية من عمر الطفل وبها تصقل الأخلاقيات والقيم، وتصحيح المفاهيم وتعلمها، وتكوين الصداقات، وأكثر ما ينمي تلك المرحلة العمرية العناية والاهتمام من الوالدين واللعب الذي يحتاج نشاطا بدنيا واحترام وقت الصلاة وتعلم مبادئ الدين، والعشر سنوات الأولى إن نجح الوالدان في تنشئتهما لطفلهما تفادى الكثير من المشاكل والاضطرابات النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الأبناء في العشر سنوات التالية من عمرهم.
وهناك الكثير من الآباء من أخفق في تنشئته لأبنائه في أولى سنوات عمرهم، ومن أجل الإصلاح وإعادة البرمجة النفسية للطفل أو الشاب يجب على الوالدين الاهتمام البالغ بالأبناء من ناحية المراقبة الإيجابية ـ إغداق الحب والاحترام ـ المدح أمام الناس والثناء عليهم ـ توجيه أهداف الطفل ـ تعزيز هوايتهم ـ الحوار البناء ـ التقارب النفسي والاجتماعي فيما بين الآباء والأبناء ـ مساحة الحرية التي يتمتع بها الأبناء في مراحلهم العمرية ـ البعد عن الصراخ والصراعات، وجميع ما سبق ينحدر تحت 4 أسس أساسية في بناء شخصية الأبناء ألا وهي: العاطفة ـ النظام ـ كظم الغيظ ـ التكرار.
إن الإنسان مخلوق من طين، والطين مادة قابلة للتشكل، ولكن كلما تقدم بالعمر أصبح التغير جهادا كبيرا، كما أن للعقل الباطن دورا كبيرا في التحكم بتصرفات وقرارات الإنسان بشكل كبير تبعا لما اختزنه من خبرات سابقة، حيث إن الغالبية العظمى من تصرفاتنا وردود أفعالنا مبنية على ما اختزنه العقل الباطن من خبرات أي في اللاوعي، ما لم يشتغل الفرد على نفسه وعلى أبنائه من الناحية الفكرية والتعليمية والثقافية والتدريبية لتتسع دائرة العقل الواعي ويصحح الكثير من الخبرات الخاطئة في العقل اللاواعي، حتى يصل إلى درجات متقدمة في الاتزان العاطفي والانفعالي المطلوب ليحقق الحكمة والهدوء والاتزان النفسي والصحة النفسية.
فإن أي إصلاح نظير إهمال سابق لشخصية الطفل أو الشاب يمكن إعادة برمجته وإصلاحه بإصلاح طريقة معاملة الوالدين وإغداق الاهتمام والاحتواء والمصادقة وتوجيه الأهداف وتعزيز الهوايات بعملية التكرار، وأهم ما يكون الاهتمام هو من الناحية الدينية في ضبط العقيدة والترغيب والتحبيب بها، وكلما كان الإصلاح باكرا من عمر الأبناء كان أسهل، وكلما كان متأخرا من عمر الأبناء كان جهدا كبيرا يتطلب الصبر، واختتم بأهمية الدعاء لهم فالإنسان في التفكير والرب في التدبير، (ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) ـ ربّ آصلح لي شأني وشأن ذريتي وارزقني برهم واجعلهم من الصالحين البارين المحسنين الصديقين الركع السجود حفظة القرآن وافتح عليهم فتوح العارفين.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
family_sciences@