عمل الخير هو رصيد الإنسان وزاده في سيره إلى الله، والناجون من النار هم من جعلوا من عمل الخير في حياتنا الدنيا مشروع تخرج من ضيق التعاملات المادية إلى رحاب التفاعلات الروحانية الأخلاقية الإنسانية، وحالات الاكتئاب التي تصيب البشر جميعا ليس لها تفسير إلا طغيان الوعى المادي على الجانب الوجداني الإنساني الرقيق لأن فعل الخيرات ورؤية السعادة على وجوه الآخرين والارتياح لذلك لا يصدر إلا من قلوب لا تعرف الأنانية والجفاء.
ولا شك أن الصدقات هي من أحب الأعمال إلى الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ما من أحد منكم إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان فينظر إلى يمينه فلا يرى إلا أعماله الصالحة وينظر إلى شماله فلا يرى إلا أعماله السيئة وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولو بركعة، ولم يقل ولو بحجة، ولم يقل ولو بعمرة، ولكن قال: «ولو بشق تمرة»، وذلك ترغيبا للناس في التصدق لما في الصدقات من الخير الذي لا يعلمه إلا الله، فالصدقات بركات في الدنيا ونجاة في الآخرة ونحن نعلم أن كثيرا من الناس يحج ويعتمر وهناك محتاجون في أهله وجيرانه وأصدقائه، وذلك من الرياء، أو الفهم الخاطئ لجوهر الدين العظيم الذي لا يستقيم فيه الإيمان إلا أن نحب لإخواننا في الإنسانية كما نحب لأنفسنا، هذا هو دين الرحمة الذي أعرفه، والذي يتجاهله للأسف دعاة الفتنة الذين شوهوه، لو درسوا واستوعبوا فلسفة الصدقات والزكاة في الإسلام لشملت رحمة هذا الدين العالم بأجمعه، لأن الصدقة ليست مالا يعطيه الغني المسلم للفقير المسلم فحسب، ولكن هي تعزيز لمشاعر المحبة والتعاون على البر بين البشر جميعا بمختلف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم وحرياتهم التي كفلتها كل الرسالات السماوية والدساتير البشرية قبل أن يعبث بها شرار الخلق ويفرقوا بينهم بما لم ينزل الله به من سلطان.
إن الصدقات والزهد وإسعاد الناس من السنن العظمى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن إن اتبعنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم الرحيمة مع كل من تعامل معهم وعايشهم وخالطهم صلى الله عليه وسلم لأسعدنا أنفسنا والعالم أجمع، ونحن نعيش في ذلك الزمن الذي اختلطت فيه الأمور علينا وعلى أبنائنا، حتى أصبح الدعاء على المنابر بتخصيص الرحمة للمسلمين وهلاك ما دونهم ما يثير العجب، خاصة أن ذلك يصدر من وعاظ يقفون على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله رحمة للعالمين.
الصدقات يا إخواني هي منطق كل منطق، وجوهر الجوهر، هي العبادة الحقة التي يقول عنها الله جل وعلا: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، فالإنفاق مما نحب فيما نملك هو امتحان حقيقي للنفس وتزكية لها من شهوات الدنيا وملذاتها ابتغاء مرضاة الله ورغبة عن الدنيا وطلبا لنعيم أبدى عند الله، الصدقات يا إخواني هي الخير الجامع الذي يؤلف القلوب في محبة الله، ولأن رسالة الله للبشرية هي «اجتمعوا على الخير والحب لتجتمعوا في جنات عرضها السماوات والأرض»، لو علم الإنسان حب الله ورحمته بعباده لعملوا على ابتغاء مرضاته فيما يحب ويرضى، ولذلك علينا بخبيئة الأعمال الصالحة، وأن نعمل أعمالا صالحة لا يعلمها إلا الله وأعظم تلك الأعمال هو الإنفاق مما نحب تصدقا في الخفاء لوجه الله تعالى، عسى الله أن يقي وجوهنا العذاب الأليم.