لفتني مشروع «كلمة للترجمة» في أبو ظبي الذي قام بترجمة كتابين عن الطعام، الأول حمل عنوان «فن الطهو والأنثروبولوجيا» والثاني «الطعام والمجتمع في العصر الكلاسيكي»، وحين بحثت الأمر تكشف لي أن ابن النديم في كتابه «الفهرست»، وقبل أكثر من ألف عام، أحصى العديد من المؤلفات التي تحدثت عن الأكل والمؤاكلة وعن الطعام وآدابه.
****
نقول «بينهم عيش وملح»، ونقصد متانة العلاقة، حيث يقوم الطعام بالدور الأساس في هذه العلاقة المتينة. وكانت بعض الأمم في الماضي تعتقد أن تناول الطعام بين زعماء القبائل يعتبر حلفا بينهم، وكانوا يحسبون أن للطعام المشترك قدرة على معاقبة من يخون الأخوة والتحالف الناشئ عن تناول هذا الطعام.
****
وكأن طنجرة الأكل أصبحت رحما بديلا حين يلعب الطعام دور الدم بتشكيل العلاقات بين البشر. فالتحالفات والقرابات تقوم بالدم وبالطعام، وأشير إلى «إخوة الرضاع» في الإسلام. وقد أنزلت الديانات الطعام في منزلة رفيعة، ففي ديننا الحنيف نشرع في الأكل بعد البسملة ونفرغ منه بالحمد والشكر. فالطعام مصدره الله، سبحانه وتعالى، هو الذي يحرم ويحلل ويحدد طريقة ذبح الأنعام.
****
يقع نظرنا على رغيف متعفن يابس ملقى على قارعة الطريق، فنسارع برفعه إلى مكان آمن لا يدوس عليه أحد، وذلك باعتباره نعمة مقدسة ينبغي المحافظة عليها. فالقرود كانوا بشرا مثلنا دنسوا المقدس حين قاموا بتنجيس طعامهم فحق عليهم المسخ.
www.salahsayer.com
salah_sayer@