قبل تحرير الكويت، وبينما كنا نتحلق حول المدفأة التفت أحد الأصدقاء نحوي وهو يبتسم، وقال «دمل وانبط»، حدث ذلك وقت كانت الاليات العسكرية تذرع الضواحي السكنية، وهدير الدبابات يرج الطرقات، وازلام الاستخبارات العراقية يطرقون أبوابنا بحثا عن المقاومـة، وفوق أسطح المدارس تزغرد مضادات الطائـرات، والمطـر الأسود يهطل لزجا كما القطران بفعل الدخــان النـاجم عن حرائـق آبـار النفط، والأسئلـة الصامتة تختمـر في عيون الصغار، والتوجس ينهب قلوب النساء، وصدور الرجال مشحونة بالكمد، عامرة بالايمان.
***
ابتسامة صديقي العبثية وعبارته الساخرة، في ذلك الوقت المرعب والمتوحش، كانت تفصح عن نفاذ الصبر وحتمية مواجهة الواقع المرير.
فالعراق مذ كان عثمانيا كان مصدر تهديد للكويت التي كانت، بطبيعة الحال، تلتزم بالصبر والحكمة والمداراة والملاطفة، حتى أمسى تهديدها ديدن الأنظمة العراقية المتعاقبة، لذا جاء وصف الصديق دقيقا.
فالتهديدات المستمرة كمثل الدمل الذي يحدث انتفاخا في الجلد يتكون فيه القيح ويتهيج، فلا يرتاح المريض الا بعد أن ينفقئ الدمل (ينبط) ويخرج ما في جوفه.
وصف التهديدات بالدمل، عاد ثانية إلى ذهني وانا أتابع التطورات الأخيرة في مملكة البحرين التي اعتادت على التهديدات الخارجية المستمرة حتى أمسى تهديد البحرين حفلا موسميا مرتبطا بالأحداث فيها.
فكلما مارست الحكومة البحرينية سلطاتها داخل حدودها وفي قضايا تخصها وضمن سيادتها الوطنية، لعلعت الألسن بالتهديد والتخويف والاستقواء، بيد ان التهديد هذه المرة تجاوز مملكة البحرين إلى التهديد بـ«إشعال المنطقة» بأكملها، وذلك نذير شؤم ودمل كبير.
www.salahsayer.com
salah_sayer@