مثلت جامعة الدول العربية، ولم تزل، الهدف الأول في حملات التشكيك والتعليقات الساخرة التي يطلقها الناس المتحدثون باللغة العربية ضد مؤسستهم التضامنية الوحيدة، فمذ كانت هذه الجامعة العربية المنكوبة وهي في مرمى حجارة العرب قبل سواهم من الأمم، وقد ثبت مع الوقت الطويل والتجارب الحزينة فشل هذه المؤسسة المغلوبة على أمرها والتي لم تتمكن من تجاوز دورها الشكلي رغم بيان تأسيسها الجميل، وكثرة لجانها، وتعدد القمم التي دعت إليها في اكثر من عاصمة عربية.
****
لست أكتب عن الجامعة العربية بل عن «العروبة» التي قامت على أساسها الجامعة. هذه العروبة التي أمست اليوم في مرمى حجارة الجميع، فكل من بكى على حاله بسبب الدمار من حوله راح يشتم العرب الغائبين عنه، وكل من شكا من الأحوال المهترئة والسائدة في المنطقة طفق ينوح على غياب العرب. وكأن العرب دولة واحدة، أو مؤسسة واحدة، أو جهة واحدة، أو كأن التحدث باللغة العربية يكفي أن يجعل الناس كيانا واحدا قابلا للمدح أو القدح. علما بأن العرب يتحدثون لغات (لهجات) مختلفة يصعب فهمها على غير المتحدثين بها.
****
سنوات طويلة ونحن نلوك مصطلح العروبة الغامض والعسير على الهضم، حتى أصبحت مسؤولية تحرير فلسطين تقع على كاهل العرب، دون أن يعلم أحد لماذا، وكأن العرب أمة لها سجل ذهبي بالانتصارات وهم في ذلك الوقت بالكاد خرجوا من حكم الدولة العلية (العثمانية) الذي امتد دهرا دهيرا عانوا فيه صنوف التجهيل والإذلال. وكبرت حالة الغموض حتى أمسى الجميع يحلمون بالوحدة (القومية) قبل ان يحل الجحيم العربي ليؤكد للجميع أنهم فشلوا في تحقيق الوحدة (الوطنية) داخل دولهم ومدنهم وقراهم الصغيرة.
****
(العروبة).. هذا المصطلح الغامض والعسير على الهضم حول القضية العروبية إلى حالة عدمية عبثية، لا طرف آخر فيها، وكأن المتحدث عن العروبة يتحدث في فراغ، لفراغ، عن فراغ، لا تعريف أو توصيف له، ولا احد ينصت للمتحدث ليعرف القصد. الأمر الذي يستدعي إعادة تعريف وتوضيح المصطلح الغامض قبل البناء عليه، وقبل إطلاق الأحلام والأوهام، ولعل الجحيم العربي يشكل فرصة عظيمة للخروج من هذا المأزق، فالفرص والحلول- حسب ونستون تشرشل- تولد في الأزمات. \
www.salahsayer.com
salah_sayer@