ليس جديدا القول ان الأغنية العربية تتمحور حول الحب في جميع تداعياته، هجر واشتياق وغياب ولهفة ولقاء وعتاب أو انسجام. فالأغنية العربية دائما تخص اثنين يجمعهما العشق، وغالبا ما تكون خطابا للآخر المعشوق، كقول أم كلثوم في أغنية فكروني (كلموني تاني عنك) أو قولها (رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا) في أغنيتها الشهيرة أنت عمري، وحتى الموضوع الذي يمكن أن يكون ذاتيا، مثل الشك، نجده يتمظهر بالآخر، كقولها في أغنية ثورة الشك (أكاد أشك فيك وأنت مني) واذا حضر طرف ثالث يكون «العذول» الذي يؤكد قصة الحب بين الحبيبين.
***
في الأزمنة القديمة كانت المجتمعات العربية تنتج أغنيات وأهازيج لأغراض مختلفة، مثل الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية أو الدينية أو الحرب أو أغاني للأعمال أو للأطفال، وذلك أمر اختفى، أو انحسر كثيرا، فنحن اليوم نكتفي في المناسبات المختلفة بإعادة أغنيات الموروث الشعبي، وكان أجدادنا وحدهم لهم حق الإبداع، أما نحن فلا. ومع توقف الأفراد عن العمل الجماعي مثل الحصاد أو رفع أشرعة السفن أو المشاركة المباشرة بالحروب اختفت الأغنيات المتعلقة بتلك الأعمال والأنشطة، باستثناء الأغنية الوطنية التي اشتهر بها العرب إضافة لأغنياتهم العاطفية التي اشرنا إليها.
***
وقفت الأغنية العربية بعيدا عن موضوعات إنسانية كثيرة عرفتها أغنيات الشعوب الأخرى، وكذلك تجاهلت الأغنية القضايا الذاتية الشخصية التي تخص الإنسان نفسه بعيدا عن الآخر (المعشوق) بيد اني قبل أيام استمعت لأغنية جميلة حملت عنوان (زهقانة) للمغنية الكويتية شمس، تتحدث عن معاناة وضجر فتاة وحيدة حبيسة البيت فتبدد وحدتها بالأكل وشراء الفساتين، وتقول في كلماتها (عندي فساتين مثلي مساكين.. في خزانتي ما لبستهم لو مرة للحين.. أشوفهم جيت تدرون شي لقيت؟ فتحت الكبت ولقيتهم ع الرف ميتين)! إنها مقاربة مدهشة تشير إلى موات الإنسان عبر الإشارة إلى موت ثيابه!
www.salahsayer.com
@salah_sayer