خرج ولم يعد. هجرنا وارتحل باتجاه المجهول ولم يترك خلفه عنوانا أو علامة.
ولأسباب لم يفصح عنها تركنا وابتعد عنا فأصبحنا من بعده كالأيتام على موائد اللئام تجرجرنا الأيام فوق الشوك العضوض.
فارقنا الحبيب وكأنه لم يعرفنا من قبل.
نبكي عليه حرقة وندما، ونصفق الأكف أخماسا بأسداس.
نتذكره اليوم ونبكي غيابه، ونتذكر كيف كان يتواجد معنا في جميع المحافل والإدارات والديوانيات والبيوت والأندية، لصيق بالناس أجمعهم، يجدونه عند الأصدقاء والمعارف والجيران والعذال والخلان والخصوم، فما كان أحد بمقدوره الاستغناء عنه، ذلك أن سر قوته العجيبة تكمن بحضوره في لحظات انكسارنا وضعفنا البشري.
> > >
يحضر عند النقيصة، وعند العيب والدنيئة والسهو والخطأ والضعف وعند الزلات، يأتي يحاول جاهدا أن يغطي المذنب أو المقصر بغلالة حمراء تستر عورته أو ضعفه أو قصوره.
إنه «الخجل» الغائب الأكبر عن مضاربنا منذ زمن.
الخجل الشفيف وحمرته العفيفة التي أمست أثرا بعد عين.
نفتش عنه وعنها في جميع الأمكنة والإدارات والوزارات والفرجان والزوايا والمشاريع والقرارات ومواقع التواصل الاجتماعي والوجوه والألسن والمقالات والأخبار، فلا نجد الخجل ولا نجد أثره ولا حمرته ولا قطرات من عرقه.
ولو أننا سألنا عنه لما أدركه احد، أو سمع باسمه أحد!
> > >
راح الخجل الذي بسببه تحمر وجنة الإنسان بعد أن أصبحت وجناتنا غير قابلة للتلوين.
مات الحياء الذي بسببه تعرق الجباه بعد أن دب التصحر في جباهنا فما عادت تعرف التعرق خجلا.
نحن الذين نتحدث عن النجوم وأقدامنا تغوص في الوحل.
نتحدث عن الكمال في الوقت الذي تتقاطر النقائص من حولنا.
فلا السارق يخجل، ولا الفاسد يستحي، ولا الفضائح يتوقف فيضها، ولا التافه يدرك مقدار تفاهته. فالبارع الماهر الشاطر الذي بلع الملايين برمشة عين ليس لصا كما يدعون بل هو حاذق فطن ومثال يحتذى (!) وإذا كانت العيون ضد الكسر، والضمائر غير قابلة للوجع، فلمَ يبقى الخجل في ربوعنا يعاني الصدأ والبطالة؟
www.salahsayer.com
@salah_sayer