تشكو دور النشر العربية ندرة القرّاء، ومثلها الصحف والمجلات. فنحن ندخل مرحلة تصحر القراءة عند العرب، ولو أن الأديب الراحل نجيب محفوظ ولد في هذا الزمن لاختار مهنة أخرى غير الكتابة التي أمست أمرا سهلا واعتياديا، لا يحتاج لموهبة أو معرفة، كمثل الغناء في الحمام، مغنٍ بلا جمهور، بعد أن تفجرت شهوة التعبير والتحبير والتأليف والكتابة لدى الناس العرب وأصبح الجميع قادرا على النشر بصرف النظر عن جودة الرأي أو فن الكتابة. فالمهم أن تدور المطبعة لتخرج منها آلاف الكتب والروايات والمقالات حتى تزايدت أعداد الكتاب وفاقت عدد القراء.
***
يحدث هذا التصحر في عالم الكتابة باللغة العربية، على وجه التحديد، أما في اللغات الأخرى فلم تزل النسخ المليونية تتكرر وتتكاثر في أسواق النشر. وجميعنا نتذكر الكاتبة البريطانية جي كي رولينغ التي أصبحت واحدة من أغنى نساء الأرض بسبب كتابتها قصة الأطفال «هاري بوتر»، وقبل أيام عرضت السينما فيلما رائعا حمل عنوان «قط شوارع يدعى بوب» A street Cat Named Bob مأخوذا من كتاب حمل العنوان ذاته، يحكي قصة مغني شوارع فاشل ومدمن مخدرات لازمه الهر «بوب» في جولاته الغنائية وأسهم في دفع المغني إلى الإقلاع عن تعاطي المخدرات!
***
القصة حقيقية وتصور تجربة عاشها الكاتب نفسه، وهو عازف جيتار بريطاني اسمه «جيمس بوين» فبعد أن لاحظت مديرة احدى دور النشر مدى تعلق المارة والعابرين في منطقة «كوفنت جاردن» في وسط لندن بهذا الشاب الذي يعزف ويغني في الطرقات وصديقه الهر قربه أو بين قدميه أو فوق كتفه، طلبت من المغني كتابة قصته مع الهر، وبعد النشر أصبح الكتاب في قائمة «الأكثر مبيعا»! قبل أن يتحول إلى فيلم سينمائي. وأختم هذه العجالة بأن البعض يشكك في صدقية الإحصائيات الكارثية التي تنشرها المنظمات الدولية حول تدني القراءة عند العرب، غير انه تشكيك لا يصمد أمام الحقائق المأساوية التي تنتهي بها معارض الكتب في العالم العربي.
www.salahsayer.com
salah_sayer@