رفرفت الفرحة في سماء القلوب المحبة للخير حين تناهت إلى الأسماع أخبار عن احتمال قيام النيابة العامة في الكويت بحفظ «بلاغ الداو» والذي يطالب بمحاسبة المعنيين في خسارة الدولة 2.5 مليار دولار. ذلك أن براءة الإنسان من الخطايا أو الاتهامات أمر طيب، سواء للمعنيين بالاتهام مباشرة أو لعموم المجتمع الذي تكاثرت فيه الاتهامات العشوائية. ومثلما يبدو فإن النيابة العامة بصفتها الجهة القانونية المختصة بتحريك الدعوى الجنائية لم تجد بعد التحقيقات التي قامت بها ما يستدعي ذلك ضد المشكو بحقهم. وحسب القول الشائع إن «تبرئة عشرة متهمين قد يكونون مذنبين، خير للعدالة من إدانة متهم واحد قد يكون بريئا».
> > >
بيد أن هذا الحفظ العدلي المحمود لن ينسينا القصة الأساسية والمتمثلة في الغرامات «الأسطورية» التي لحقت بالبلاد وأفضت إلى ضياع مبالغ طائلة من الخزينة العامة دون أن تتم سرقتها، أو يتعمد ضياعها أحد. خاصة أن الصفقة الأساسية مرت في جميع القنوات الرقابية وتمت مراجعتها من قبل ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات المركزية. وذلك أمر موجع وأشد مرارة من السرقة أو الاختلاس أو التربح. فلو أن شخصا ما سرق هذا الكنز الثمين لكان ذلك أقرب للمنطق والمعقول، فالضمائر الخربة تشجع الفاسدين على العبث بالمال العام. بيد اننا في «حالة الداو» أمام جريمة بلا مجرم، وقتيل بلا قاتل. وهنا تتجلى أعجوبية القصة!
> > >
يبدو أن السقم الإداري المزمن في البلاد خلق حالة غير مسبوقة يتم فيها الهدر المالي بطريقة تلقائية. لذا ينبغي الشروع في المراجعة القانونية والتشريعية والإدارية والمالية والتنظيمية في عموم البلاد من أجل منع تكرار مثل هذه القصة العجيبة الغريبة. فالمفقود ليس حقيبة سفر أو هاتفا نقالا أو عملة نقدية بملغ عشرين دينارا بل مليارات الدولارات. ومن المؤكد أن ثمة خلل في آليات صنع القرار أفضت إلى حدوث ما حدث، كما أن هذا الخلل (الكويتي) له علاقة بالعديد من أوجه القصور التي أمست معروفة في بلادنا، حيث نواجه تهديدات مخيفة وحقيقية بسبب السقم الإداري وغياب الرؤية التنموية الواضحة.
www.salahsayer.com
salah_sayer@