سمع معظمنا بقصة الصحافي الياباني شنسوكي هاشيدا الذي قام في عام 2004 بتغطية المعارك في منطقة الفلوجة في العراق حيث عرف، هناك، بحكاية الطفل العراقي المصابة عينه بشظية تهدد بصره بالعمى الكامل، فسعى الصحافي في بلاده من أجل علاج الطفل هناك، وبعد حصوله على الموافقات الرسمية وأثناء عودته إلى العراق لإجلاء الطفل المريض قامت عصابة إرهابية مسلحة باغتياله. فبادر ذووه بمواصلة المهمة رغم مصابهم الجلل وجلبوا الطفل إلى اليابان للعلاج، كما قامت الحكومة اليابانية ببناء مركز طبي في العراق لعلاج الأطفال من أمراض السرطان!
***
هذا الانتقام على الطريقة اليابانية لا يعتبر انتقاما في الذهنية المتخلفة والعدائية المؤمنة بالثأر والتي تستمد استمرارية حياتها من استمرار القتل والدماء وديمومة الصراع «وطخه واكسر مخه» فهذه الذهنية المأزومة تفسر ردة الفعل اليابانية على أنها ضعف وهوان وذلة وتخاذل عن طلب الثأر وتهاون في حق الفقيد المغدور الذي لن ترتاح روحه دون سفك المزيد من الدماء ومواصلة اذكاء العويل والصراخ، كما هو سائد في عالمنا المريض حيث الثارات البغيضة والكراهية المجانية والاتهامات المتبادلة تستمر قرونا طويلة.
***
للوهلة الأولى قد يعتقد البعض أن هذا السلوك الياباني يعكس روح التسامح والصفح وعدم الغضب أو الانفعال وسوى ذلك من تعاليم معهودة في الشخصية اليابانية ومرجعها تعاليم ديانة «الشنتو» المنتشرة في اليابان. وهذا تفسير قد يجانبه الصواب فلا يصيب الحقيقة. ذلك انه لو كان الأمر صفحا وعفوا عن المذنبين لاكتفى ذوو الضحية بالصمت الحزين. بيد انهم بادروا بفعل إيجابي جميل تمثل في الانتقام الرشيد. فردة الفعل النبيلة تجاوزت الأقوال إلى الأفعال مثلما تجاوزت الأشرار إلى الشر المتمثل بالمرض والفقر والجهل والكراهية.
www.salahsayer.com
salah_sayer@