«ما عادت الزوجات كما كن في الماضي فقد أصبحن يعصين أزواجهن هذه الأيام، وكذلك الأبناء ما عادوا يكنون الاحترام الواجب لآبائهم وأمهاتهم.
فالزمن تغير ولا نعلم ماذا ستجلب لنا الأيام المقبلة»، هذه العبارة لم يكتبها شيخ عجوز يتذكر أيام شبابه في ثلاثينيات القرن الماضي في القاهرة أو الكويت أو بيروت، بل هي كلمات منقوشة بالعلامات الهيروغليفية على ورقة بردي أثرية تعود إلى عصر الفراعنة! ويبدو من هذه الوثيقة التاريخية ان «النوستولوجيا» أو الحنين إلى الماضي والشكوى من الزمن الحاضر ظاهرة قديمة تتجدد مع تعاقب العصور.
***
في أغنية «كوكب تاني» يغني مدحت صالح فيقول «رافضك يا زماني يا أواني» ليعبر عما في دواخلنا نحن الذين نشتكي من قسوة الزمن الراهن، ويشدنا الحنين إلى الماضي الذي نصفه بأنه «الزمن الجميل» أو «زمن الطيبين»، ففي الرياضة والفن والسياسة والأخلاق وسائر مفاهيم ومناشط الحياة نحرص على إقامة سرادق عزاء وبكاء، نتسابق فيه إلى التمسح في حائط «الزمن الذهبي»، ونتذكر الماضي على نحو بائس مغشوش حين نحرص على استعمال «الفلتر» الذي يقوم بحجب سوءات الماضي ويبالغ في إظهار محاسنه، في ماضوية تنطوي على ظلم كبير للحاضر كما انها تعطل الدروب المؤدية إلى المستقبل.
***
مثل هذه الشكاوى والبكاء على القديم تتكاثر فينا بسبب كثرة الانكسارات في المجتمعات العربية وانصدام الناس بالتطورات الناجمة عن «الجحيم العربي» والتي تعبر عن هشاشة المجتمع وافتضاح العديد من المفاهيم والشعارات.
وذلك مشهد ينطوى على جانبين اثنين، معتم ومضيء، فأما المعتم فهو الجانب المأساوي والكارثي الذي يعيشه الناس نتيجة سيادة الفوضى والانهيار والاحتراب الداخلي، وأما الجانب المضيء فيتجلى في الفرصة الثمينة التي توفرها «الصدمة المروعة» التي قد تدفع الناس إلى مراجعة العديد من المفاهيم الطوباوية والشعارات الخيالية ومنها الأوهام المتعلقة في دولة الخلافة التي جسدها «داعش»، وما أدراك ما «داعش»؟!
www.salahsayer.com
@salah_sayer