ولد أبي رحمة الله عليه في بداية القرن العشرين (تقريبا قبل مائة عام ونيف)، وعمل في أكثر من مجال سواء في البر أو في البحر، مثله مثل سائر الكويتيين، الذين كان يوجد بينهم من يعمل في بناء المنازل، وعندما يحين موسم الغوص أو السفر التجاري يسارع إلى العمل فوق متون السفن في الاعمال المتعلقة بالغوص أو السفر، وفي الربيع قد يعمل حطابا يجوب الصحراء يلتقط «الجروم» ويقتلع شجر العرفج أو اي عمل آخر يكفيه السؤال. ولا يتورع الكويتي عن اقتحام المخاطر في طلب الرزق، ففي العام 1904 قام راشد أحمد الرشيد بمنافسة اليهودي المتخصص بشراء الفراء من السوق المحلية، فحمل راشد الفرو على أسنمة الجمال ليبيعها في روسيا حتى توفي في احدى رحلاته المتكررة إلى هناك.
> > >
كثيرا ما حدثني والدي عن «العنصر الكويتي» الذي كان مطلوبا في الأسواق الخارجية أكثر وأغلى من سواه. ففي مزارع النخيل الكويتية في البصرة وفي موسم الجني والقطاف تمهيدا لنقل التمور إلى السفن الكويتية للتصدير، كان التجار الكويتيون يحرصون على استعمال اليد العاملة الكويتية، حيث يذهب بعض العارفين في ذلك الشأن إلى البصرة لضمان توافر العمل هناك، وكان والدي يتذكر ويخص بعض الأشخاص بالاسم، وذلك يحدث ايضا للسفن غير الكويتية المتوقفة في موانئ الخليج استعدادا للسفر إلى الهند، والتي عندما تحتاج المزيد من البحارة يحرص أصحابها على البحث عن البحارة الكويتيين في تلك الموانئ.
> > >
شهادة الوالد، رحمة الله عليه، شهادة من قلب الحدث وصاحبها شاهد عيان، وتؤكدها حالة الأسواق في ذلك الوقت التي تطورت وأصبحت قبلة للباحثين عن العمل، حيث لا يعقل ان تتطور السوق الكويتية ويتطور معها الاسطول البحري الكويتي دون وجود موارد بشرية، فالعبقرية تتحقق بفضل العباقرة، وكذلك حسن الإنتاج وجودته وتماميته دليل على مهارة اليد العاملة المنتجة والمدركة لأهمية التمامية والاتقان، وهكذا كان العنصر الكويتي «يعمل عندما يتوقف الآخرون»، وأختم بالتحسر على هذه الحقائق التي تم تغييبها عن الناس فلا وجود لها في التعليم أو الإعلام. والله المستعان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@