«لكل شيء إذا ما تم نقصان.. فلا يغر بطيب العيش إنسان»، بيت شعر معروف ومنسوب لأبي البقاء الرندي الأندلسي، ينبه فيه البشر ويحثهم على عدم الغرور بقوتهم ويذكرهم بالنهايات المحتومة أو بالأحوال المتغيرة، فالصلاحيات والكمال والقوة لها مدد محددة تأتي بعدها مرحلة النقص أو التناقص، وأشير إلى المولدات والمحركات وسائر أشكال المكائن التي بعد الاستعمال تنتهي صلاحيتها فيتم نقلها إلى منطقة تدعى «السكراب»، والكلمة انجليزية الأصل scrap وتعني المخلفات والقطع الهالكة القديمة، وفي لهجتنا اذا كبر الشخص نقول «تسكرب» والقصد واضح.
***
يوجد السكراب في جميع الدول، حيث تقوم الجهات الحكومية المختصة بتعيين قطعة أرض قصية، بعيدة عن الضواحي السكنية تجمع فيها السيارات القديمة والآلات الخربة، ومن المعروف ان انتهاء الصلاحية يختلف من مكان إلى آخر، فبعض المركبات قديمة الصنع لا تزال تذرع طرقات المدن والقرى في وقت يستقبل السكراب مركبات أحدث منها، ويوجد رجل يتوهم الشيخوخة فيكبر ويشيخ قبل أن يبلغ من العمر مرحلته الأخيرة. في حين تجد عجوزا يتصابى ويصر على ان «عمر الناس إحساس» لا سنوات ليثبت ان من يحس بالشبابوية يبقى شابا وإن تقدم به العمر.
***
بعض الدول تتحول إلى «سكراب كبير» عندما تعاني مفاصل الدولة من الخشونة، ويعلو الغبار اللوائح والقوانين، وتصاب الادارات الحكومية بالزهايمر وسائر مشاكل الشيخوخة. فتتحول قضية «الاصلاح الإداري» إلى ما يشبه النكتة السمجة، وأشير إلى «السكراب الطائر» وأقصد الصواريخ الروسية «سكود» والمعروفة بنسبة الخطأ الكبيرة في إصابة الهدف والتي يطلقونها على مدينة ما في دولة ما لتسقط على مدينة اخرى في دولة ثانية!
وختاما أشير إلى ان مجتمعاتنا العربية تعج بـ «السكراب الفكري» حيث تسود افكار وسلوكيات ومفاهيم صدئة انتهت صلاحيتها منذ زمن.
www.salahsayer.com
@salah_sayer